د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** قبل بضع عشرة سنةً جمعنا مجلسُ العم عبدالرحمن بن إبراهيم البسام (1348 - 1432هـ) رحمه الله ضحى يوم خميس، ودار الحديث حول الأعمار، ومعظم الحضور حينها في السبعين أو قريبٍ منها، فقال أبو صلاح: «ستة وثمانون عامًا قياس»، وعنى أن مَن يحياها تكفيه، ولم تغب الجملة عن ذهن صاحبكم؛ فلم هذا الرقم تحديدًا؟ ولِم لم يُدورْه ليصبح تسعين مثلاً؟ والظنُّ أنها مجرد فكرة طرأت لحظتها، وبقيت لتُوثق رحيله (السبت الرابع والعشرين من شهر الله المحرم 1442هـ) بعدما عاش رقمًا قريبًا من الستة والثمانين وفق ولادته المترجحة بين عامي 1353 - 1354هـ، وقضى معظم العام الأخير من حياته صابرًا محتسبًا على ما ألمَّ به من مرضٍ لم يُقعدْه عن التواصل مع الناس في جلساتهم ومناسباتهم.
** تربط أسرتينا جيرةٌ قديمةٌ في «سوق القصر» المجاور لجامع عنيزة الكبير-كما كان يُسمى- (جامع الشيخ العثيمين حاليًا) إذ كان بيتُنا ملاصقًا لبيت الشيخ عبدالله الخالد السليم المتوفى عام 1384هـ - تولى إمارة عنيزة تسعة وثلاثين عامًا (1335- 1374هـ)- وهو جدُّ أبي صلاح الذي خلفه في إمارة عنيزة بفاصل أميرٍ بينهما، وهو ابنُ عمه خالد العبدالعزيز السليم الذي تولاها بين عامي: 1374- 1391هـ، ومكث أبو صلاح أميرًا (كذا كان اللقب قبل تغييره إلى محافظ) اثني عشر عامًا (1391- 1403هـ)، غفر الله للجميع.
** ربطتنا الجيرة، ولم تقف؛ فقد جمعت الوالد وأبا صلاح -رحمهما الله- صداقةٌ وجلساتٌ ضحويةٌ ودوريةٌ ليليةٌ ولقاءٌ في المناسبات الخاصة، أما صاحبكم فعدا الجيرة وصداقة الوالد فقد عرفه وقت الدراسة الجامعية حين كنا نقدِّم على وظائف مؤقتة خلال الصيف تمتد شهرين براتب ألف ريال تُحسم منها مكافأة الجامعة -ووُجه- إذ كان عمره تسعة عشر عامًا - للعمل بإمارة عنيزة كما كانت تسمى (محافظة عنيزة حاليًا)، فكلّفه الشيخ محمد الخالد بوظيفة في قسم التحرير مثنيًا على ثقافة الشاب وأسلوبه مجاملةً دون ريب، وآسفه أنْ خيّب ظنَّه فقد أحال إليه معاملةُ مع شرحها لكتابة خطاب للجهة المعنية بمضمونها فعادت ملأى بالتعديلات حتى لم تكد تبقى مفردةٌ دون تعليق، وخدم صاحبَكم حظُّه حين طلبه مدير التعليم حينها أستاذُنا الجليل عبدالرحمن بن صالح العليان حفظه الله لحاجتهم إليه في المركز الصيفي الذي اعتاد الفتى على الانتساب إليه طالبًا مذ كان في الحادية عشرة من عمره.
** ظلت العلاقة بالشيخ محمد في مجالس عنيزة الضَّحوية والليلية، وأخيرًا في مجلس الصديق الدكتور فريد بن عبدالعزيز الزامل بعد صلاة الجُمعة، وآخرُها أولَ ظهور وباء كوفيد 19 قبيل منع صلوات الجُمع والجماعة، وكان -رحمه الله- يتحامل على نفسه من آثار المرض الذي يستشفي منه، واعتدنا أن نراه يدًا بيد مع أستاذنا النبيل الأصيل صالح بن سليمان العبيكي رعاه الله، وهل أجملُ من أن ترى كبيرين تحبُّهما فتأنسُ بهما وبأحاديثهما المضيئة المضيفة.
** رحم الله الشيخ أبا صلاح محمد الخالد العبدالله الخالد السليم؛ فقد عُهد رجلَ خير وبر، وإداريَّ حكمة وهدوء، وإنسان لطفٍ وذوق، فعاش محمود السيرة خالد المسيرة عابدا ربَّه سليمًا قلبُه صالحًا وساعيًا إلى الإصلاح؛ فكذا نحسبُه والمولى حسيبُنا وحسيبُه؛ فاللهم أَرضِه وارضَ عنه واجبرْ مصاب بنيه وذويه ومحبيه.
** الموتُ فوارق توقيت.