د. محمد عبدالله الخازم
استبشر الأدباء والمهتمون باللغة والهوية العربية بالموافقة على تأسيس مجمع الملك سلمان للغة العربية، ومرجعيته وزارة الثقافة. أتضح لي من ذلك، وأنا لست لغوياً وقد لا أكمل هذه المقالة دون خطأ لغوي، بأن فكرة المجمع ملتبسة، فهناك من يراه كمجرد رمز ثقافي ولغوي لا أكثر، وهناك من لا يفكر بالطريقة (النوستالجية) لمجمعات اللغة العربية ويرى فكرة (رقمنة) اللغة وتطوير بحوثها، وهناك من يرى اللغة هي اللغة الفصحى فقط ودور المجمع ترسيخها والحفاظ عليها، وهناك من يرى اللغة متعددة وشاملة للغات أو اللهجات المختلفة. هناك من يرى أن مهمة المجمع تثقيفية لغوية، وهناك من يراه دور معجمي بحت لمراجعة المفردات وتثبيت اشتقاقاتها اللغوية ... إلخ. أعتذر عن ذكر أسماء من كتب عن الموضوع، حيث يصعب حصرهم وبعضهم كان طرحه جميلاً ...
وحتى لا يبقى المجمع مجرد صورة ذهنية لدى أفراد، فإنني سأقترح خارطة طريق لتحديد هوية المركز وأدواره بطريقة معقولة من الناحية العلمية والتنظيمية. وأول خطواتها تبدأ من حصر المرجعيات ذات العلاقة والموجودة لدينا، حيث إن لدينا إرث في مجال خدمة اللغة العربية وإن لم تكن من خلال مجمع. لدينا الجهات التالية لها علاقة باللغة العربية:
1. مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، والذي رغم عمره إلا أنه يفتقد وضوح الهوية. لعلنا بداية نستحضر تجربته وصعوباته ومن ثم تكامله مع المجمع الجديد.
2. معاهد اللغة العربية لغير الناطقين بها، بالجامعات السعودية، وهذه المعاهد يفترض أن لديها الإحساس الأكبر بقضية تعليم اللغة العربية وكيف يمكن لمجمع اللغة إفادتها والاستفادة منها.
3. أقسام اللغة العربية بالجامعات السعودية وهذه لها أدوارها البحثية والأدبية وأساتذها في الغالب هم من سيقوم على تأسيس المركز الجديد.
4. مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ممثلةً في بحوثها ودراساتها التقنية اللغوية ومنها المتعلِّق باللهجات المحلية و(الرقمنة) اللغوية.
5. المجمعات والمراكز الأهلية ذات العلاقة..
بعد التعرَّف على تلك الجهات وقد يُضاف إليها أخرى لم تحضرني، يمكن استطلاع آراءها حول مجمع الملك سلمان للغة العربية؛ كيف يرون شكله، ما هي إمكاناتهم التي يمكن من خلالها خدمة المركز، ما هي صعوباتهم التي يجب البعد عنها ... إلخ. حينها سيتكون لدينا قاعدة من الآراء والمعلومات يمكن طرحها ضمن ندوة كبرى «الندوة التأسيسية لمجمع الملك سلمان للغة العربية» وخلالها تخرج وزارة الثقافة بتصور يتم بناؤه محلياً وليس مجرد تقليد لمراكز أخرى.
أعلم أن البعض يعتقد أن المجمعات لها أدوار معروفة ولن نخلق مجمعاً مختلفاً عن ما هو معروف، لكن وجهة نظري أنه ليس علينا فقط التقليد أو الالتزام بنموذج عربي تقليدي، وإنما صناعة مركز مختلف من واقع إمكاناتنا ورؤيتنا المشتركة. علينا خلق مركز قوي ليس بالضرورة أن يقوم هو بكل الأدوار فقد يكون له أدوار التنسيق بين الجهات ذات العلاقة والدعم للدراسات المختلفة، بل أقترح تكليف فريق بالبحث في المجمعات والمراكز المماثلة في اللغات الأخرى وكيف يمكن التعلّم منها ... لقد أنتظرنا عقوداً زمنية تأسيس المجمع اللغوي، فلا بأس من إضافة سنة نعتبرها تحضيرية قبل إعلان تفاصيل المركز..