مها محمد الشريف
إن المشكل الحقيقي يكمن في كون أن بعض القضايا ذات بعد سياسي ويجمع بينها مشروع واضح ترسيخ الفوضى والصراع والطائفية لتفعيل بعض الاستراتيجيات التي حددت هوياتهم انطلاقاً من واقعهم، وينبغي أن أضيف أمرين أساسيين، أولاً، أوكد ما قيل سابقاً إن إيران خلف كل القضايا السياسية المعقدة في الشرق الأوسط، لكن بالنسبة للأمر الثاني، هو ما يحدث في لبنان، وما يواجه من خسائر فادحة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ثم أضف لها الحرائق بعد انفجار مرفأ بيروت.
لا شك أن لبنان يعيش أزمة حقيقية وجذرية وتعد من أكبر مشكلات العصر بالنسبة لدولة تفتقد لحكومة عادلة ومؤسسات تنهض بالبلاد من السقوط الكبير وترأب الصدع بين الحكومة والشعب والطوائف المتناحرة من جهة وتعاني اقتصاداً منهاراً من جهة أخرى، فما الوساطة التي يجب أن نبحث عنها أو تتبناها أي دولة إذا فشلت مؤسسات الدولة، ولم تستطع تأسيس آليات جديدة لإنقاذ البلد من مليشيات مدفوعة من إيران تشارك في مفاصل الحكومة؟، تساؤلات حول القضايا المعاصرة قد تبدو مشروعة.
فالعلاقات السياسية معظمها تكون إشكالية ومتشعّبة، وعلاقة لبنان مع فرنسا لم تحظَ يوماً بإجماع اللبنانيين. من هنا قالوا عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العاجلة إلى بيروت «غريبة»، والبعض وجدها «خطوة طبيعية» نظراً لتعاطي فرنسا مع لبنان كأنه «حصتها» في الإقليم.
فالوعي بهذه الحقائق أمر يفرض نفسه ويتطلب مزيداً من الوضوح والشفافية، وكل إشكالية لها تفسير، فعلى سبيل المثال قال «إدغار موران»، إن فرنسا التي تؤسس علاقاتها منذ فترة طويلة مع الدول الأخرى إما على أساس التحالف أو على أساس الحرب، وحتى مع الدول الشقيقة ويقصد بها الدول الأوروبية هي عولمة الأفكار بإدماج جميع أشكال الغموض وجميع الجوانب المظلمة، كما أنه يجب دمج التبادل والتلاقح الذي عرفته الحضارات بما فيها من استعمار واستعباد وهنا رهان يشكل خطراً حول إمكانية الإنسانية تنتصر على الإنسانية».
فهل من الممكن القول: إن هناك موقفاً غريباً من فرنسا أم أن بعض الاعتبارات أخذت بها لوجود شريحة كبيرة من الشيعة بلبنان التي تقدر بنحو 600 ألف نسمة وبما أنها بلد طائفي فهي ترى أن يكون الكل موجودًا وهذا بالمختصر سياسة فرنسا. بينما حذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فرنسا من أن جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى، إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلح جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.
نهجان مختلفان لسياسة الدولتين العظميين في لبنان، الولايات المتحدة تعد جماعة حزب الله المسلحة ذات النفوذ السياسي القوي منظمة إرهابية، لكن فرنسا ترى أن جناحها السياسي المنتخب له دور سياسي مشروع، فاليوم تبدو الأوضاع صعبة للغاية والشعب رجع إلى نقطة الصفر، والأحداث تحمل في طياتها تأثيرات خطيرة، بما أن هذا الصراع يحمل تراكماً كبيراً من الكراهية والنزاعات في البلد الواحد، ولعل الجميع يدرك أن الأمل بوجود حزب الله مفقود وعلى الجميع أن يتوقع مزيدًا من الحرائق ووقوع تحولات هائلة كبيرة غير قادرة على تغيير مجرى الأمور.
في هذه الحالة تكون التساؤلات محيرة، وحجم البيانات لا يكفي لإظهار النتائج ومن الواضح أن أحدهما يقول الحقيقة، والآخر ينتظر استنتاجات خلال استطلاعات للرأي لتشكيل حكومة، قادنا هذا الاختلاف بين أمريكا وفرنسا إلى نتيجة مفادها أن عمليات البحث عن استقرار وسلام لبنان يتطلب كثيرًا من المتغيرات والأبعاد.