حمّاد السالمي
* يأتي يوم الأربعاء القادم؛ الموافق للأول من الميزان 23 سبتمبر الحالي؛ موعدًا جديدًا للاحتفال باليوم الوطني المجيد في عامه التسعين. مناسبة سعيدة واحتفال جليل بذكرى توحيد المملكة العربية السعودية، على يد مؤسسها وموحدها المغفور له (الملك عبدالعزيز آل سعود) طيب الله ثراه. جاءت هذه الثمرة اليانعة؛ بعد جهاد وكفاح دام لأكثر من ثلاثين عامًا، قضاها المؤسس غفر الله له في أنحاء الجزيرة العربية المترامية الأطراف؛ فنجح في جمع الشتات، وتوحيد الكيانات المتناثرة المتناحرة في كيان واحد مهاب هو: (المملكة العربية السعودية).
* يُجمع كثير من المؤرخين والدارسين- عربًا كانوا أو عجمًا- على أن المملكة التي أنشأها وأسسها (الملك عبد العزيز) رحمه الله في هذه البقعة من العالم؛ إنجاز عظيم غير مسبوق في تاريخ العرب والمسلمين بعد الخلافتين الأموية والعباسية. كيان لم تعرف مثله الجزيرة العربية منذ أكثر من ألف عام. هذا الإنجاز الكبير؛ لم يتسن للملك عبدالعزيز تكوينه وتحقيقه بين قوى إقليمية ودولية تتصارع وقتذاك من حوله؛ لولا الأمن الاجتماعي الذي ارساه في كافة أنحاء الدولة الجديدة، أمن قام على العدل والمساواة، وعدل قام على تحكيم الشرع الحنيف في البادية والحاضرة. عندما تحققت العدالة بين الناس؛ شعر الكل بالاطمئنان على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وكانت قبل عهد الملك عبدالعزيز؛ في خطر دائم، بين نهب وبطش حكام مناديب للخلافة العثمانية المحتلة، ومتأمّرين متآمرين مع هذه الجهة أو تلك.
* كل ما حل يوم وطني جديد؛ ظهرت لنا قصص بطولية للمؤسس والموحد، هي جزء من سيرة ملك عبقري، اجتمعت فيه كل صفات الإنسان المحارب الشجاع. الحاكم العادل النهضوي، المتطلع إلى الأمام دائمًا. إن سيرة (الملك عبد العزيز آل سعود)؛ مدرسة لا تضاهى في الأخلاق والبطولة والإقدام. عندما تحقق له رحمه الله ضم كافة الأقطار، وإرساء الأمن في أنحائها؛ أدرك أن هذه الحالة الأمنية الفريدة؛ لن تستمر بدون تجديد وتطوير وتحديث واستفادة من المنجزات العلمية التي ظهرت وأخذت بها دول العالم. لقد واجه تحديات عصيبة لقهر الرفض الفقهي الناتج عن العزلة الجغرافية والسياسية طيلة قرون، فكانت الغلبة للعقل الذي مثّله الملك الموحد والمؤسس، فعرف الناس معطيات علمية جديدة؛ تدعم الأمن والسلم الاجتماعي. عرفوا واستأنسوا السيكل والسيارة واللا سلكي والراديو وغيرها كثير مما لم يتعود عليه الناس وقتها، فأصبح جزءًا من حياتهم اليومية.
* ومن هذه القصص التي تتجاوز الطرفة إلى الدرس والعبرة؛ والتي رواها الشيخ (عقيل بن فهد الخطيب)- أحد رجالات الملك عبدالعزيز- ووردت في كتاب: (كنت مع عبد العزيز) قال: (حدث أن صادف عبدالعزيز في إحدى نزهاته بالبر؛ امرأة تسير وحدها دون محرم، فلما أرسل وراءها أحد رجاله ليسألها عن مقصدها؛ علم أنها ترغب الذهاب إلى الأحساء لتشتري بعض الحاجيات، وقد تملكت عبدالعزيز الدهشة عندما أجابته المرأة على تعنيفه لها للسير دون محرم بقولها: إن الأرض قد عمّ فيها الأمن والسلام بفضل الله ثم بفضل عدالة عبدالعزيز وسهره على مصالح الرعية، وشدة اهتمامه بسلامتهم ورعايتهم، حتى لم يعد هناك مبرر للخوف من السير في البادية زرافات أو وحدانا، لأن عبدالعزيز حط في السما برقيّة، وفي الأرض مريّة- المريّ قاص الأثر وهي نسبة إلى بني مرة- وظل عبدالعزيز يتابع حديث المرأة وهو جادع عقاله- طارح عقاله- فلم تعرفه، ويظهر أن كلامها مس وترًا في وجدانه، فانفرجت أساريره عن ابتسامة وضّاءة، دار على أثرها الحوار التالي بينهما: قال عبدالعزيز: أين بعلك يا امرأة..؟ قالت: انقلع- توفى- عسى الله يطيل في عمر عبدالعزيز، فقد أصبحت الأرض والسماء آمنة، وصرنا ننعم بالطمأنينة والاستقرار. عبدالعزيز ملتفتًا نحونا: من معه ورقة يا جماعة..؟ عقيل الخطيب: حاضر.. ومعي أوراق وأقلام. عبدالعزيز: اكتب.. بمجرد أن تصلكم هذه المرأة؛ اعطوها كل ما يلزمها من كساء، ومن الهيل والزنجبيل قلّ أو كثر. ثم تحول إلى المرأة قائلاً: خذي هذه الورقة؛ واذهبي إلى الرياض، حيث تحصلين إن شاء الله على كل ما تريدين. المرأة: ما يعطي مثل هذا إلا عبدالعزيز، فمن من المسلمين يعطي ولا يأخذ غيره..؟ دعوني أسلم على عبدالعزيز. عقيل الخطيب: يا بنت الأجواد خذي الورقة وعودي للرياض، وسوف تحصلين هناك على خير كثير. وهكذا توكلت المرأة على الله، وساقت إبلها نحو الرياض، والملك واقف عن كثب منها وهو خالع العقال فلم تعرفه).
* الكلام على الأمن الذي أرسى قواعده المؤسس ونعيشه اليوم، كلام لا يُمل، وفيه كثير من التفاصيل المشوِّقة، ففي تلك الأيام الخوالي قبل تسعين من السنين؛ وبعد أن أنهى عبدالعزيز تكوين الكيان المترامي الأطراف، لم تكن هناك من وسيلة للتواصل بين إماراته ومناطقه ومراكزه الإدارية؛ إلا البغال والجمال والحمير، فحلت البرقية واللاسلكي للربط الإداري السريع، وحلت السيارة لتسريع التواصل، ثم تلاها القطار والطائرة وكافة وسائل التحديث، ثم ها نحن بحمد الله؛ نحتل مكانة علية بين أمم الأرض، ونسهم في الحضارة الإنسانية في كافة المجالات.
* شكرًا أيها الملك الأب (عبدالعزيز آل سعود)، مؤسس وموحد مملكتنا الفتية:
بسطت لواء الأمن كالظل وارفًا
فأصبح ممدود الرواقين يطبقُ
وشيّدت للعدل الصروح مشيدة
تناطح أعنان السماء وتسمق
ووطدت للتوحيد صرحًا ممرّدًا
بإعلاء دين الله يزهي ويورق
فكم مسلم أدى الفريضة آمنًا
وقد كان منها قبل عهدك يشفق