سلمان بن محمد العُمري
التعاون الوثيق بين الدول والأمم والشعوب الإسلامية، ومواجهة الشتات والانقسام أمل يراود كل مسلم موحد، ولكن هناك يأس وإحباط لدى الشعوب الإسلامية من توحيد الكلمة والتضامن الإسلامي في ظل الوهن العام والانقسام التام والخلافات السياسية والفكرية وليست المذهبية بين الدول الإسلامية الشقيقة قبل البعيدة والصديقة.
والشعوب الإسلامية على الرغم من الخلافات والنزاعات السياسية بينها عطف ومودة لا سبيل إلى إنكارها وحال غالب المسلمين تجاه بلدان وشعوب العالم الإسلامي مطابق لما قاله الشاعر:
وأينما ذكر اسم الله في بلد
عددت ذلك من أرجاء أوطاني
ويؤكد ذلك التفاعل العام مع قضايا العالم الإسلامي بين الشعوب، وشواهده في محررات وسائط التواصل الاجتماعي عبر تويتر والفيس بوك وغيرها، فما تحل مشكلة أو قضية إلا ونجد تفاعلاً من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأزهر، والإيسيسكو وغيرها من المؤسسات الإسلامية يعول عليها الشيء الكثير في تمتين العلاقات بين المسلمين في بلدانهم أو مع من يعيشون في مجتمع الأقليات والجاليات الإسلامية في الغرب، والعمل على إبقاء لحمة المسلمين متراصة ومتماسكة وتحقيق أخوة الدين التي أمرنا الله بها عز وجل بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
ولعلي أركز على رابطة العالم الإسلامي بحكم مهامها واختصاصها وكونها منظمة إسلامية شعبية دولية تحظى باعتراف الهيئات الدولية الأممية وتملك من المقومات والموازنات ما لا يتوافر لغيرها.
ومنذ ما يقرب الأربعين عاماً، ومنذ أواخر عهد معالي الشيخ محمد الحركان وحتى يومنا هذا وأنا متابع لمناشط الرابطة وشاركت في كثير من برامجها ومؤتمراتها في الداخل والخارج.
وكنت قد كتبت قبل فترة يسيرة عن خارطة طريق لرابطة العالم الإسلامي بعد أن أكملت الرابطة الستين من عمرها، وأشرت إلى أنها منذ انطلاقتها بمكة المكرمة وهي تسعى جاهدة لتبليغ رسالة الإسلام ونشرها في جميع أنحاء العالم، وشرح مبادئ الإسلام وتعاليمه، ودحض المفتريات والشبهات عن الإسلام، ودعم التضامن الإسلامي، وخدمة قضايا العالم الإسلامي، وقد تعاقب على أمانة الرابطة عدد من أصحاب الفضيلة والمعالي رحم الله المتوفى منهم، وأمد في عمر الحي منهم.
ورابطة العالم الإسلامي على مسؤولية كبيرة في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والمحاولات السابقة إلا أن الصورة ما زالت قائمة، حيث إن الجهل بالإسلام لدى المجتمعات غير الإسلامية هو الشائع، مما يؤدي إلى صدور أحكام غير صحيحة عنه تولدت من المتميزين ضده.
وإذا كان العالم الإسلامي برمته عليه واجب في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام، وفشل برامج مؤسساته في الذود عنه، والتعريف به، فإن مسؤولية رابطة العالم الإسلامي كبيرة جداً في هذه المرحلة التي تشهد أحداثاً ومتغيرات كثيرة، ووضع خارطة طريق، واستراتيجية عمل مع مراكزها ومؤسساتها في دول العالم.
إن المرحلة الحالية بحاجة إلى عمل منظم ومؤسسي، وبعيد عن الارتجال والسطحية، ويمكن الأخذ في الاعتبار ببعض العناصر الواجب توفرها، ومنها:
- أن يكون العمل جماعياً، فلا يقتصر على بلد مسلم أو مؤسسة بعينها، ولابد من التنسيق في هذا المجال، وأن تتولى مؤسسة أو مؤسسات إسلامية مهمة التنسيق والمتابعة.
- أن تكون جميع الأعمال مبنية على دراسات مسبقة للمجتمع المراد العمل فيه، فما يصلح في اليابان لا يصلح في الولايات المتحدة الأمريكية.
- اختيار اللغة المناسبة، والفكر المناسب، فالأسلوب الخطابي الذي نستخدمه فيما بيننا قد لا يتناسب والآخرين.
- تفعيل دور المراكز الإسلامية، والجاليات المسلمة، لا بالعمل والدعوة فقط، بل في السلوك الحسن، والتمسك بأخلاق الإسلام، وتطبيق مفهوم القدوة الحسنة.
- الاستفادة من التقنية الحديثة في وسائل الاتصال والإعلام من فضائيات وإنترنت، في إيصال المعلومة بأقل وقت، وأقل جهد وتكلفة.
- الحضور الإعلامي المناسب، والمداخلات المناسبة الجيدة، والمنضبطة غير المنفعلة.
- رابطة العالم الإسلامي كما أنها تصحيحية كذلك ينبغي أن تكون دفاعية تعتز بدينها وتغار عليه، فكما يطلب منها تصحيح النظرة عن الإسلام يجب عليها سرعة الشجب والاستنكار عن كل تجاوز بالقول والعمل على الإسلام أو شيء من شعائره أو دوله الراعية له.
- استخدام مفهوم القوة الناعمة في القيم والأخلاق.
وعلى الرغم من أهمية ذلك، أود التذكير أن رابطة العالم الإسلامي مؤسسة شعبية إسلامية، ولابد من التفاتة جادة للشعوب الإسلامية من خلال مؤسساتها ومراكزها ومدارسها وجمعياتها، والعمل على وجود برامج علمية وتوعوية لترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومن هنا أجدد التوكيد أن الموضوع يحتاج إلى مقالة أوسع في ذلك، وربما أحتاج إلى مقالات حتى نرى المؤمل منها.