محمد آل الشيخ
أغلب القادة الفلسطينيين يختلفون في العلن على أمور كثيرة، لكنهم يتفقون على أن هدفهم النضالي (الاتجار) بقضيتهم، واستغلالها في الإثراء الشخصي غير المشروع، بالشكل الذي يجعلهم يتعاملون كما يتعامل التاجر الذي يهمه أول ما يهمه التكسب، والإياب من تعاملاته بالمال الوفير. لذلك فهم أول من يقفون بشدة، وأحياناً بشراسة، ضد من يسعى لحل قضيتهم حلاً ينتهي بهذه القضية نهاية موضوعية، فنهاية قضيتهم يعني أن مشروع التكسب قد انتهى، والدجاجة التي تبيض ذهباً قد ذبحت. ربما أنهم في بدايات انطلاقة الكفاح الفلسطيني كان هدفهم سامياً، يطمح لتحرير الأرض، وعودة الفلسطينيين المشردين إلى أراضيهم، غير أن المال الوفير الذي تدفق عليهم من الدول والشعوب العربية، أصابهم بالطمع، وأفسد نقاءهم وغيّر توجهاتهم، وأصبحوا يتعاملون مع القضية، كمشروع تجاري، وتكشفت للعرب ولغير العرب أنهم يباعون ويشترون بالمال، أما مصلحة القضية فتلك أمور لا تعنيهم البتة.
عندما مات رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات خرجت زوجته سهى عرفات على شاشات التلفزيونات، وفجّرت القضية وكشفت المستور، فقد هددت أنها ستكشف المخبوء، فاضطر ورثته في المنظمة، وعلى رأسهم أبومازن إلى التفاهم معها، واقتسام الأموال الموروثة بينهم وبينها، هي وابنتها زهوة، وها هي تعيش مع إبنتها في فرنسا كما تعيش أميرات العصور الوسطى في ترف وبذخ منقطع النظير، وتعيشان عيشة من لا يخاف الفقر، مع أن أبا عمار كان يعيش عندما أطلق حركة فتح في الكويت على الكفاف، فلم تكن له ثروة، ولا مداخيل شخصية غير ما يتلقاه من فتح كما يؤكد الكثيرون. والسؤال الذي يطرحه السياق هنا: من أين له هذه المليارات؟
أبومازن هو الآخر استثمر هذه القضية كما كان يفعل عرفات، فثروة أبنائه كما تقول كثير من التقارير الصحفية المؤكدة تجاوزت الملياري دولار، كما أن جميع من يتحلقون حوله يقتسمون معه قدراً من عوائد القضية، خاصة أن الفصائل الفلسطينية الأخرى يسيرون على ذات المنوال، فلا رقيب ولا حسيب؛ وغياب الرقابة غياباً كاملاً، جعل من أولئك القادة يجيرون القضية لحساباتهم الشخصية وحسابات أبنائهم، ودون أن يُطبق مبدأ (من أين لك هذا؟) على زعماء هذه الفصائل، فإن من ظلم الشعب الفلسطيني استمرار هذه المساعدات لتلك الفصائل، لا سيما وأن جميع التبرعات التي كانت تدفع لأغلب هذه الفصائل مسجلة لدى المانحين، بقي أن يعرف الفلسطينيون والمانحون أين ذهبت.
لذلك فإنني أقترح على دول الخليج إيقاف أي تبرعات أو إعانات لتلك الفصائل حتى يقدموا (إبراء ذمة) موثقاً من إحدى دور المحاسبات القانونية، ويجب ألا نكتفي منهم باعتذار كما طالب أمين عام مجلس التعاون، فتصريحاتهم بعد اجتماع فصائلهم في بيروت، والإهانات والتحريض يجب ألا تمر مرور الكرام، فقد كانوا بهذه التصاريح بمثابة من يعضّ اليد التي امتدت لهم، وأنقذتهم، لاسيما وأن جحودهم ونكرانهم كان قد ظهر بوضوح عند غزو صدام للكويت أيضاً، فقد وقفوا معه في الخندق نفسه، وكان من المفروض ألا تعود المياه إلى مجاريها منذ ذلك الزمن إلا بعد محاسبة وتدقيق على التبرعات التي كان أغلبها يأتي من دول الخليج، وبشكل خاص من المملكة والإمارات.
لقد طفح الكيل، وحان وقت الحساب، ودع أولئك المجعجعين الذين يرفضون الموضوعية، والتعامل بعقلانية وواقعية مع القضية الفلسطينية، فأولئك ما قتلوا ذبابة قط.
إلى اللقاء