محمد جبر الحربي
سَلَامٌ عَلَى شَمْسٍ لَنَا لَيْسَ تَغْرُبُ
وَأهْلٍ هُمُ الْإشْرَاقُ إِنْ حَلَّ مَغْرِبُ
بِلَادٌ بِهَا مُزْنُ الْحُرُوفِ تَشَكَّلَتْ
فَأَرْوَتْ بِهَا الدُّنْيَا، وَمَا فَاضَ يَخْلُبُ
أسَاسُ حَضَارَاتٍ تَتَابَعَ نَسْلُهَا
فَسَادَتْ وَإِنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسْلِ يَعْرُبُ
وَهَا قَدْ تَخَطَّتْ بِالرِّسَالَةِ مَهْدَهَا
رِسَالَةُ حُبٍّ.. لَا حُرُوبٍ تُخَرِّبُ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.. إِذْ حَلَلْتُمْ بِأَمْنِهَا
يَشِيعُ سَلَامُ اللهِ.. لَا يَتَذَبْذَبُّ
وَنَحْنُ بِفَضْلِ اللهِ نُرْسِيْ جَمَالَهَا
وَمَا هَمَّنَا فُرْسٌ، وَلَا التُّرْكُ إِنْ رَبُوا
لَنَا الأَرْضُ قَدْ دَانَتْ بِطِيبِ خِصَالِنَا
وَمِنْ قَبْلُ كَانَ السَّدُّ فِينَا.. وَمَأْربُ1
وِمِنْ «عَرِمٍ».. فَاضَتْ قَبَائِلُ عِزَّةٍ
مِنَ الشَّرْقِ.. حَتَّى الْبَحْرِ أَيَّانَ تَغْرُبُ2
فَسَلْ فِي بِقَاعِ الأرْضِ عَنَّا فَإنَّنَا
نَسِيجُ حَضَارَاتٍ بِهَا الْحُبُّ يَغْلِبُ
لِعَدْنَانَ أَوْ قَحْطَانَ مُنْتَسَبُ الذُّرَى
وَمِنْهَا قُرَيْشٌ.. وَالْمَعَارِفُ تُرْغَبُ
لِأَنَّا هُنَا.. نَتْلُو كِتَابَاَ مُنَزَّلَاً
فَلَيْسَ سِوَى الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مَذْهَبُ
وَأَنَّ لَنَا الْمِيزَانَ.. فِي وَسَطِيَّةٍ
فَنَبْقَى نُقِيمُ الْعَدْلَ.. وَالظُّلْمُ يَذْهَبُ
وَأَنَّ بِنَا تَعْلُو الْعِبَادُ.. وَتَرْتَقِي
وَأَنَّ بِنَا تَسْمُو الْعُقُولُ.. وَتَنْجُبُ
وَمَا كُنْتُ بِدْعَاً أَنْ وُلِدْتُ مُحَارِبَاً
بِحَرْفٍ يُشِيعُ الْحُبَّ.. أَيَّانَ يَضْرِبُ
أُوَزِّعُ رُوحِي فِي الْبِلَادِ مُتَيَّمَاً
وَيَجْمَعُنِيْ بَعْضِي بِبَعْضِي فَأَعْجَبُ
وَمَا نَالَ مِنِّي الْيُتْمُ وَالْفَقْدُ هِمَّةً
وَلَا عَطَّلَا.. مَا كُنْتُ أَرْجُو وَأَطْلُبُ
رَفِيقُ السَّحَابِ الْحُرِّ فِي قِمَمِ الْهَدَا3
وَلِيْ فِي هُطُولِ الشِّعْرِ آفَاقُ أَرْحَبُ
أُصَاحِبُ فِي النَّجْدِ الْبَهِيِّ قَلَائِدِي
وَأصْحَبُ فِيهِ الْمَجْدَ نَعْلُو وَنَرْقُبُ
أُعَالِجُ أَرْوَاحَ الْعِبَادِ بِصَيِّبٍ
وَأَنثُرُ دُرِّي فِي الْهِضَابِ فَتَطْرَبُ
وَيَطْرَبُ أَهْلُوهَا عَلَى فِتْنَةِ النَّدَى
يُبَلِّلُ وَرْدَاً فِي الْقَصِيدِ، وَيَشْرَبُ
مِنَ الشِّعْرِ مِنْ خَدِّ الْورُودِ وَثَغْرِهَا
فَمَا اجْتُنِبَ التِشْرَابُ.. بَلْ هُوَ أَوْجَبُ..!
أُغَنِّي غِنَاءً لَا يَشِيبُ جَمَالُهُ
وِإِنَّ الذِي يَعْلُو بِهِ النَّاسُ أَشْيَبُ
وَكَمْ مِنْ مَلِيحَاتٍ سَمِعْنَ غِنَائِيَا
وَقُلْنَ رَعَاكَ اللهُ.. تُسْبِيْ وَتَسْلِبُ..!
وَمَا كُنْتُ نَهَّابَاً خَؤُونَاً لِمَا مَضَى
فسِحْرِي حَلَالٌ كَالْمَلِيحَاتِ طَيِّبُ
وَلِي أَلْفُ وَجْهٍ قَدْ عَرَفْتُ طَرِيقَهُ
وَلَكِنْ بِلَا قَلْبٍ.. إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ4
فَقُلْ لِبِلَادٍ كَرَّمَ اللهُ أَرْضَهَا
تُزِيحُ حَزَازَاتِ الْوُشَاةِ.. وَتَقْرُبُ
لِأَنِّيْ أَرَاهَا إِنْ ذُكِرْتُ بَعِيدَةً
وَمَنْزِلُهَا مِنِّيْ الْوَرِيدُ وَأَقْرَبُ
فَهَلْ كَانَ مِنْ قَبْلُ الدِّيَارُ تَرَحَّلَتْ
أَمِ الْأَهْلُ هُمْ مَنْ يَرْحَلُونَ.. فَتَنْدُبُ..؟!
وَإِنِّيْ مُقِيمٌ.. لَا أُغَادِرُ حُسْنَهَا
سِوَى لِرَحِيلٍ لَيْسَ مِنْ بَعْدُ يُتْعِبُ..!
وَقُلْ لِبِلَادٍ.. عِنْدَهَا الصَّمْتُ حِكْمَةٌ
عَنِ الْبَوْحِ تُغْنِينِي.. فَلَا أَتَعَذَّبُ
وِإنْ قِيلَ تَبْدُو عَاشِقَ الْأَرْضِ عَاتِبَاً
فَقُلْ خَيْرُ مَنْ يَعْفُو وَمَنْ يَتَعَتَّبُ
وَمَا وَاحِدٌ إِلَّايَ.. لِلْأَرْضِ حَاضِنٌ
وَما وَاحِدٌ إِلَّاهُ.. يُعْطِي وَيَحْجُبُ
وَمَا كَانَ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِ عَاشِقٍ
وَمَا كَانَ غَيْرُ اللهِ يَدْرِي، وَيَحْسُبُ
فَكَيْفَ نَكُونُ اثْنَيْنِ.. وَالْقَلْبُ وَاحِدٌ
أَنَا فِي بِلَادِيْ.. الْعَاشِقُ الْمُتَقَرِّبُ
وَهَلْ كَانَ قَبْلِيْ عَاشِقٌ مُتَبَتِّلٌ
وَهَلْ كَانَ فِي الْعُشَّاقِ أَنْدَى وَأَغْرَ بُ..؟
وَهَلْ ذاعَ حُبٌّ فِي الْقَصَائِدِ قَبْلَنَا
فَرِيدٌ.. عَلَى كُلِّ الْقُلُوبِ مُحَبَّبُ..؟!
وَإنْ ضَاقَتِ الدَّنْيَا عَلَى قَلْبِ صَاحِبٍ
فَهَلْ كَانَ مِثْلِي في الْمُلِمَّاتِ أَرْحَبُ..؟
لِأّنِّي رَأَيْتُ الْحُبَّ كَالْعَيْشِ مَطْلَباً
وَأُدْرِكُ أَنَّ الْحُبَّ.. فِي اللهِ مَطْلَبُ
وَلَمّا رَأَيْتُ الْكُرْهَ فِي النَّاسِ فَاشِيَاً
لَجَأْتُ إِلَى حُبٍّ.. يَرِقُّ وَيَعْذُبُ
وَمَنْ غَيْرُهُ رَبِّي.. هُوَ الْحُبُّ مَانِحَاً
لِقَلْبِيْ، وَمَا يَبْغِيْ الْفُؤَادُ.. وَيَرْغَبُ
فَأَرْسَيْتُ بِالْحُبِّ الْعَظِيمِ.. فَرَائِِدِي
يَنَابِيعَ حُبٍّ خَالِدٍ لَيْسَ تَنْضُبُ
فَدَعْ كُلَّ مَنْ عَادَى.. وَتَاهَ بِغَيِّهِ
وَعُدْ وَاحِدَاً بِالْحُبِّ.. لَا تَتَشَعَّبُ
لَنَا فِي خُلُودِ الذِّكْرِ مَاَ تَطْلُبُ الْعِدَا
فَخَلَّدَنَا شِعْرٌ.. يُشَاعُ وَيُكْتَبُ
وَمَا كُلُّ مَنْ رَامَ الْخُلُودَ أَصَابَهُ
وَلَا كُلُّ مَنْ قَالَ الْقَصِيدَ.. يُنَصَّبُ
وَمَا كُلُّ مَنْ يَعْدُو.. كَنُبْلِ جَوَادِهِ
وَلَا كُلُّ مَنْ يَغْدُو.. لَهُ الْأَرْضُ مَلْعَبُ
... ... ...
1. سد مأرب
2. سيل العرِم.
3. جبال الهَدَا.. أعالي سلسلة جبال السَّرَوَات.
4. قيسُ بن المُلوَّح:
مَتَى يَشْتَفِي مِنْكِ الفُؤادُ الْمُعَذَّبُ
وَسَهْمُ الْمَنَايَا مِنْ وِصَالِكِ أَقْرَبُ
فَبُعْدٌ وَوَجْدٌ، وَاشْتِياقٌ وَرَجْفَة
فَلَا أَنْتِ تُدْنِينِي.. وَلَا أَنَا أَقْرُبُ
كَعُصْفُورَةٍ في كَفِّ طِفْلٍ يَزُمُّهَا
تَذُوقُ حِيَاضَ الْمَوْتِ وَالطِّفْلُ يَلْعَبُ
فَلَا الطِّفلُ ذُو عَقْلٍ يَرِقُّ لِمَا بِهَا
وَلَا الطَّيْرُ ذُو رِيشٍ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ
وَلِيْ أَلْفُ وَجْهٍ قَدْ عَرَفتُ طَرِيقَه
وَلَكِنْ بِلَا قَلْبٍ.. إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ