ميسون أبو بكر
التعليم عن بُعد أصبح ضرورة في الظروف التي فرضتها كورونا. والمملكة سارعت في هذا الأمر بعد أن تأكدت أن كورونا ليست أزمة طارئة لأيام معدودة أو أسابيع، بل ربما ستعتبر أزمة أشهر وسنوات. وحرصًا على استمرار الحياة، واستكمال الطلبة مشوارهم التعليمي، عملت وزارة التعليم جهدها لإنجاح فكرة التعليم عن بُعد بتوفير ما استطاعت من التقنيات المتاحة؛ فكانت خطة الطوارئ هذه كي لا ينقطع الطالب عن التحصيل الدراسي وعن المدرسة رغم عدم اتصاله وتواصله مع أقرانه من التلاميذ وأساتذته في أجواء مدرسية طبيعية.
لن أتوسع في مقالي عن نجاح التجربة تقنيًّا؛ لأن كونها تجربة يضع عراقيل كثيرة، وهي أمر طبيعي ومتوقع، لكنني أودُّ أن أتحدث عن الجهد الأسري المبذول لإنجاح هذه التجربة. فكورونا غيّرت العالم، وتعدى تغييرها نطاق الأسرة. ورغم سلبياتها إلا أن فترة الحجر جعلت بعض الأسر متقاربة أكثر من السابق.. ولعلها غيّرت بعض العادات السلبية.. وفي قول لصديقتي (عرّفت أفراد الأسرة ببعض)، وتشارك بعضهم تفاصيل الحياة؛ لأن بعض الأسر - كما نعلم - لا تجمع أفرادها علاقة أسرية سليمة مترابطة؛ فربُّ الأسرة في وادٍ، والأم في وادٍ، والأولاد في وادٍ. تعوّد الأب على أن يمضي بعد دوامه أوقاته مع أصدقائه في الاستراحة، والأم تستيقظ بعد الظهر لتذهب للنادي الرياضي (كبرستيج)، ثم مساء تنشغل بجمعة صديقاتها والشيشة (موضة). الخادمة هي من توقظ الأولاد، والمدرسون الخصوصيون يقومون بمتابعتهم دراسيًّا، والأطفال ضائعون بين هذا وذاك، وبين موظف ومستخدم، دون أن تربطهم بهؤلاء روابط حميمية، تمنحهم الأمان الأسري والعواطف السليمة ومشاعر الخوف على مستقبلهم.
وما أتحدث عنه هو شبه ظاهرة اليوم في المجتمعات الخليجية بشكل خاص؛ فحالات كثيرة نعرفها يرتبط الطفل فيها بالخادمة أكثر من الأم!!
وإن تعطلت المنصة التعليمية الإلكترونية وجدت الآلاف من الآباء ينتقدون ويتهمون الوزارة بالقصور، والتعليم عن بُعد بالفشل، متجاهلين أن هذا هو وقتهم، واليوم يعتمد نجاح أولادهم ومساعي الوزارة عليهم في المقام الأول، وعلى متابعتهم، وقيامهم بدورهم الحقيقي والأصيل.
كَبُر أبنائي، وكلٌّ في منصبه اليوم ما بعد الجامعة، الطبيب والمحاسب والمهندس.. وقد أشرفتُ عليهم منذ نعومة أظفارهم والمراحل الأولى قبل المدرسة؛ قرأتُ لهم كتبهم، وعلّمتهم الرياضيات والتاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية، وكنت أتابع تطور المناهج، وأدرس مناهجهم لأدرِّسها لهم. وكنتُ موظفة وربة بيت - مع استعانتي بخادمة للتنظيف - ولم أدخلهم إلا المدارس الحكومية؛ فطرح الله فيهم البركة، وأكرمني بما وصلوا إليه، وأنا واحدة من كثير من الأمهات. أما النماذج التي تعتمد على الخدم والمدرسين الخصوصيين - وهم محظورون في زمن كورونا، ويشكّل دخولهم اليوم خطرًا كبيرًا على صحة الأسرة - فمستقبل أبنائهم في خطر، وهم بيد أناس لا يربطهم بهم شيء إلا مبلغ من المال، يحصلون عليه ويمضون.
لا يسعني إلا أن أثمّن للحكومة السعودية ما تقوم به لإكمال المسيرة التعليمية ممثلة بوزارة التعليم. والأسرة ثم الأسرة هي اللبنة الأساس في المجتمع؛ إن صلحت صلح المجتمع كله. وأنتِ أيتها الأم مدرسة، تُنشئين جيلاً طيّب الأعراق. والجنة قريبة إليكِ فكوني كفئًا؛ لتكون تحت أقدامك.. فالأمومة مصطلح صعب عليك أن تفقهي معناه جيدًا.