يقول الرجل:
جملة اعتدت قولها عند الخروج للصلاة أطرق بها أسماع الابن زيد الأصغر بين إخوته و(القلب) الذي انتزع مني يمشي على رجلين، وإن كانت العبارة يراد لها النفاذ لآذان بقية إخوته من باب إياك أعني واسمعي ياجارة!
النصح ثقيل على المتلقي أمر نفهمه جميعاً، لذا كان التنويع في أسلوب إيصاله مطلوبا، والناس جدّ مختلفون في ذلك فمنهم الذي يألف الكلمة توجه إليه جافة ولا يجد في تلقيها حرجاً وتمر في ممرات آلته السمعية من غير ما ضرر ولا حتى خدوش غير مرئية ومنهم الذي ينفر منها إن لم تكن رقيقة ويحس فيها حدباً من قائلها عليه وحباً ونفعاً يريد سوقه إليه، ومنهم ولعلهم كثر أولئك الذين يستقبلون النصح يوم يكون مغلفاً بطرفة ويسوقه أسلوب فكاهة ويحلى بابتسامة صافية تفتح أبواب القلب قبل الأذن.
ومناداة الابن الأصغر بأسلوب النداء يا الذي يصلح للقريب والبعيد على حد سواء، كما أفتانا بذلك علماء اللغة العربية الحبيبة، فيه تغيير نمط الخطاب الشعبي المألوف عندنا وتطبيقاً لما ننادي به دوماً من رجوع للغة وتعلمها وتعليمها فهي لغة القرآن العظيم ولغة مجدنا التليد الذي لن يرجع مادمنا على خصام معها وقطيعة، وهو أسلوب فيه تحبب وتقرب للابن الأصغر بذكر اسمه تحديداً، وأما بقية الأبناء فهو إلماحٌ لهم بأهمية الأمر الذي ينادى له الطفل فهو لهم من باب أولى وحتى لا يجد الشيطان إليهم منفذاً بوسوسة قائلة (أكبارٌ ويوجه إليكم الأمر دوماً كأنكم صغار سن لا تفقهون!).
ولمزيد تحلية للعبارة الناصحة فقد حُوِّر اسم الابن من زياد إلى زيد لخفة نطقه وسهولة مخرجه وزيادة جذب للآذان لسماع النداء وإجابته.
والله لو قيل إن ملك الدنيا بأسرها بمن فيها وما فيها رهن العمل بأمر يكلف الواحد منا جهداً ووقتاً وانتظاماً في أوقات خمسة في اليوم الواحد تبدأ بدخول وتنتهي بخروج وانشغال ذهن وأمراً بها للمقربين وللآخرين لما وجد في المجموع من هو مستعد لذلك ولآثر الجميع الدعة والراحة والسكون، لكنها الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين بل هل تصحان أصلاً إلا بها وبإقامتها، العمود للدين وهل بعد سقوط العمود إلا تداعي البيت على رؤوس قاطنيه، والحبل المتين الذي يصل المسلم بربه ويشهد على عمق الرابطة ومتانة الصلة لذا لم يكن غريباً احتمال المشقة بل المشاق في الحرص على إقامتها فالقيام لها بعد نوم مشقة والوضوء في شدة حر ووطأة برد مشقة والمشي لها إدراكاً لفضيلة الجماعة قبل الإقامة مشقة، كل هذا يحتمل لمعرفة المسلم بمكانتها في الدين ومكانتها عند الإله العظيم الذي افترضها في السماء دون غيرها من متطلبات الدين في بيان صريح لعلو شأنها ورفعة قدرها ولن يكون أحد في سابق ولا لاحق يعلم الدين ويفقهه كالصحابة الكرام وهم الذين كانوا لا يرون عملاً تركه كفرا إلا الصلاة، وإن قيل من بعض أن ذلك يوم يكون لجحود ونكران لا لكسلٍ ورضوخاً لرداءة نفس ترتضي الراحة دوماً والخمول والسكون.
جعلنا الله وإياكم وأبناءنا وأبناءكم وجميع المسلمين من أهل المساجد الذين إن حال بينهم وبينها ظرف حنت إليهم بقاع يركعون فيها هناك ويسجدون؛ اللهم آمين.