شريفة الشملان
ليست المرة الأولى ولا العاشرة التي أكتب فيها عن المطر. فلقد تجرعت أغلب البلدان مهما قالت عن نفسها ومهما كبرت بذاتها حتى تضخمت، فالمطر ينهكها كثيرًا ويؤلم ناسها والبيوت والاقتصاد.
تفخر بعض البلدان بالتعليم وبعدد المهندسين المدنيين وهو مسمى للمهندس الذي مهمته الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس ومواقعها، يعني كل بناء مركب وكبير ومترامٍ هو من اختصاص الهندسة المدنية.
تفخر الدول بالمنشآت والطرق والجسور التي تساعد على انسيابية المرور كما المطارات، لكنها دومًا في البلدان التي نهضت كبرت وتوسعت تبقى في حدود الدول النامية، والنامية تعبير مؤدب لدول تتأنق وتلبس أجمل الحلل لكن كل ذلك يذوب عند قطرة مطر.
ليست السودان وحدها من آلمها المطر ذاك العنصر الجميل للحياة والذي كان يمنحنا منذ الأجداد فرحًا كبيرًا لأنه يبلل أرواحنا العطشى وأراضينا وبرارينا فينبت العشب ويكون الثمر وافرًا بعد خاصة في النخيل.
مما درسناه في الجغرافيا أن هناك مناطق (تروى سيحا) بمعنى تروى بواسطة الأمطار وتنتج وتثمر جيدًا غالبًا تلك في أغلب بلدان أوربا وبعض بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
مهمة المهندسين المدنيين هندسة الطرق، في انسيابية الحركة المرورية كما انسيابية الأمطار، لأن الأمطار حكايتنا هذه الأيام خاصة بعدما غرقت السودان ومعها غرق بشر ومحاصيل، وزاد الجوع جوعا، والمنازل تهدمًا نشر الموت أشرعة ولم تكن الكورونا غادرت بعد، كما الوضع بعد الحكم الجديد لم يكن مستقرًا بعد، وقد بليت أغلب الدول العربية بانقلابات وكل انقلاب يأتي ليصحح انقلاب فلا سلمت تلك الدول على جيشها ولا اقتصادها الذي يتدمر وتصبح رهينة لمافيا (البنك الدولي).
وعندما نعود للمهندسين المدنيين الذين جزء من تدريبهم ودراستهم تسهيل وانسيابية المرور بكل أفرعه، نرى أن هؤلاء غالبًا لا يجدون في وضع الأجواء المعتمة فرصة للعمل داخل الوطن، يهربون منه لبلدان أكثر نضجًا وأكثر أمانًا ومن ثم توفير عيش رغيد. وبالطبع يمدون الوطن بشيء من المال لكن مهما عمل المواطنون في الخارج لا شك أنه لا يوازي حاجة الوطن لهم.
دولة كالسودان فيه نهران جميلان النيل الأبيض والنيل الأزرق، حيث يؤهلها ذلك لتكن أكبر منتج للقمح في الوطن العربي مع المغرب فيكون هناك اكتفاء عن اللجوء لاستيراد القمح من بلدان عدة تتحكم في خبز يومنا تكون سلة خبزنا عند السودان وكنا نأمل أن تكون للعرب أجمعين.
هي الموارد التي تذهب هدرًا إذا كانت بيد من لا يحسن تدبيرها، الماء نماء أن لم يستفد منه فوق التربة فتحتها الآبار، ولكن الأفضل دومًا هو عمل خزانات كبيرة لاستيعابه حتى لا يكون أداة تدمير للمباني كبيرها وصغيرها وتشريد البشر، كما توّلد الذباب والبعوض ونشر الأمراض. ولغرق البشر، وهذه مهمة الحكومة وبيد المهندسين المدنيين. فإذا كنا جميعًا متألمون لما تفعله أثيوبيا في مياه النيل وتبتز بذلك دول حوض النيل فمن باب أولى أن يتم المحافظة على رزق رباني، إنه ليس السودان وحده أنما كما قلت أغلب البلدان النامية، وإذا كانوا يتحدثون عن حروب قادمة بسبب المياه فلا شك أن ذلك يجعلنا أكثر حذرًا للمحافظة عليه وموارده.
أخيرًا إنه فعل البشر لا فعل المطر.
كفانا الله شر العطش، وسقانا من حوض نبيه شربة لا نعطش بعدها.