عوض مانع القحطاني - الرياض / تصوير - فتحي كالي:
أعلن الرئيس التنفيذي لهيئة التراث الدكتور جاسر بن سليمان الحربش، اكتشاف فريق سعودي دولي مشترك لآثار أقدام لبشر وفيلة وحيوانات مفترسة حول بحيرة قديمة جافة على أطراف منطقة تبوك، يعود تاريخها إلى أكثر من 120 ألف سنة من الآن. وأكد أن هذا الاكتشاف الأثري الجديد والمهم يمثل الدليل العلمي الأول على أقدم وجود للإنسان على أرض الجزيرة العربية، كما أنه يقدم لمحة نادرة عن بيئة الأحياء أثناء انتقال الإنسان لهذه البقعة من العالم.
وبيّن الدكتور الحربش في مؤتمر صحفي عقد أمس بالرياض أنه وفقاً لنتائج المسح الأثري، عُثر على آثار أقدام بشرية لسبعة أشخاص، وآثار لحوافر جمال وفيلة، وحيوانات من فصيلتي الوعول والبقريات، إضافة إلى حوالي 233 أحفورة، تُمثل بقايا عظمية للفيلة والمها.
واستعرض الرئيس التنفيذي للهيئة خلال المؤتمر صوراً للاكتشاف الذي يعكس عمق تاريخ الجزيرة العربية ومدى إسهاماتها الحضارية في التاريخ، مشيداً بما تحظى به أعمال ومشاريع التنقيب الأثري في المملكة من دعم واهتمام ومتابعة من سمو وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة الهيئة.
وأكد أن هذا الاكتشاف وغيره من الاكتشافات الأثرية تُبرز تطور المملكة في مجال الكشوفات الأثرية من خلال كفاءات وطنية ذات مستوى عالٍ تعمل بالتعاون من الجامعات والجهات الحكومية والمراكز البحثية على مستوى العالم في أعمال التنقيب عن الآثار في مختلف مناطق المملكة.
وأوضح أن الآثار بأشكالها المختلفة جزء أصيل من أنشطة التراث التي تشمل أربعة مسارات هي: الآثار، التراث العمراني، الحرف اليدوية، والتراث المادي. مؤكداً أن هيئة التراث ستبني نشاطها على ما تحقق في مجال الآثار من نجاحات كبيرة وملموسة، وستعمل على تطوير أنشطة القطاع وتوسيع أنشطته العلمية والبحثية والتعريفية.
وكشف الدكتور جاسر الحربش أن هيئة التراث تعمل على تأهيل المواقع الأثرية وفتحها للزوار، إلى جانب تنظيم معارض متخصصة بالآثار داخل وخارج المملكة، وإعداد ونشر بحوث ودراسات متخصصة في الآثار، تشتمل على الأنشطة التعريفية والتوعوية، وذلك في سياق جهود الهيئة لإبراز التراث الوطني والاحتفاء به محلياً ودولياً.
وقال الحربش إن هذا الاكتشاف هو إحدى نتائج المشروع العلمي الكبير (مشروع الجزيرة العربية الخضراء) الذي تشرف عليه الهيئة، وتتعاون فيه مع معهد ماكس بلانك الألماني، وجامعة أكسفورد البريطانية، وجامعة كوينزلاند الأسترالية، وجامعة الملك سعود، وهيئة المساحة الجيولوجية، وشركة أرامكو، ويعمل فريق أبحاث سعودي دولي منذ أكثر من 10 سنوات على أبحاث ميدانية متعددة التخصصات، شملت مناطق صحراوية مختلفة، وحول مناطق الحرات البركانية، وبالقرب من بعض السواحل في منطقة تبوك، ونجران، والرياض، وحائل، والمدينة المنورة.
وضمّ الفريق عدداً من التخصصات المصاحبة لعلم الآثار.
كما أثبتت دراسات مشروع الجزيرة العربية الخضراء وجود دلالات للجماعات الآشولية قبل حوالي 200 ألف سنة في صفاقة؛ وهو ما يعد دليلاً على أحدث المواقع الآشولية في جنوب غرب آسيا.
وكشفت النتائج تنوعاً في سلوك الإنسان في العالم القديم، وما واجه أسلافه من عوائق في الطبيعة أثناء هجرتهم في إفريقيا.
وقال الحربش إن الفريق تمكن من خلال المسوحات المكثفة والتنقيبات المنظمة من فهم الظروف المناخية القديمة وطبيعة البيئة السائدة في الجزيرة العربية، وذلك من خلال تحليل ودراسة البقايا الحيوانية المتحجرة في غربي صحراء النفود.
وأظهرت تلك الدراسات وجود أنواع متعددة من الحيوانات ومنها الفيل مستقيم النابين، والأسماك، والطيور؛ مما يؤكد كثافة الغطاء النباتي وتوافر المياه بشكل دائم.
وكشفت النتائج العلمية من خلال استخدام النماذج الحاسوبية للبحيرات والأنهار القديمة باستعمال نظم المعلومات الجغرافية، أن معظم المناطق لم تكن مواقع منعزلة، وإنما ترتبط بسلسلة متصلة من البحيرات القديمة، والتي تشكلت في الفترات المطيرة.
وهناك أدلة تشير إلى أن الجماعات البشرية قد تعلمت كيفية التعايش مع الظروف الجافة والتغيرات البيئية المرموقة؛ بتبني نمط عيش يعتمد على الرعي وإدارة بياناتهم الطبيعية في الواحات.
وقد أجاب الحربش عن أسئلة الصحفيين، ففي سؤال لـ»الجزيرة» عن المراحل المقبلة للمشروع وهل هناك اكتشافات جديدة، قال: الخطة القادمة لهذا المشروع هي مرحلة مهمة، وهذا الاكتشاف له قيمة كبيرة للسعودية، ويعتبر كنزاً ثميناً، وهذا المشروع سوف يربط المملكة بالعالم في مجال قطاع الآثار، ونحن فخورون بهذه الحضارة العريقة في هذه الجزيرة، وعندما ننتهي من جميع المراحل سوف تتسلم هيئة السياحة مثل هذه المشاريع.
وبيّن الحربش أن هناك اكتشافات مهمة في الطريق، ونعمل عليها على عدة مراحل، وستكون رافداً قوياً في مجال السياحة في المملكة، مؤكداً أن المملكة غنية بهذه الآثار الضخمة في المجال البشري أو الحيواني أو البيئي، وبيّن أن هناك تعاوناً مع الجامعات لجلب عدد من الطلاب والطالبات في كليات الآثار في مجالات المسح والتنقيب، وأضاف أن تسجيل مثل هذه الاكتشافات في منظمات اليونسكو والآثار سيتم من قبل الجهات ذات العلاقة.