بكري عساس
تعاني الكثير من دول العالم النامي ومنها بعض الدول العربية أزمة معرفية تجسدت في هجرة كفاءاتها وأدمغتها للخارج، وخصوصاً في المجالات الحيوية، كالطب والهندسة والطاقة النووية والاقتصاد، في الوقت الذي تحمّلت فيه هذه الدول ضخ استثمارات مالية هائلة في تأهيل وتدريب وتعليم هؤلاء المواهب.
في بحث تم نشره بعنوان «التدفقات العالمية للمواهب»، أشار إلى أن نحو 28 مليون مهاجر من أصحاب المهارات العالية يقيمون في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 2010م، أي بزيادة قدرها 130 % عمَّا كان عليه الوضع عام 1990م. وأشار أيضاً إلى أن هناك أربعة بلدان فقط (أمريكا، بريطانيا، كندا وأستراليا) تمثِّل وجهة لما يقرب من 70 % من هؤلاء المهاجرين. وتوضح الدراسة أيضاً أن أمريكا عادة ما تستضيف نصف المهاجرين من ذوي المهارات العالية المتوجهين لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وثلث المهاجرين من ذوي المهارات العالية حول العالم، كان من نتيجته حصول الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما نسبته 85 % من جوائز نوبل العالمية في مجالات العلوم وبالأخص الطب والفيزياء والكيمياء. بالنظر إلى هجرة العقول العربية، أظهرت دراسات قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي يساهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50 % من الأطباء، و23 % من المهندسين، و15 % من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، مما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية في البلدان العربية والذي يعد من بين أكبر عمليات تجريف العقول في العالم، أدي إلى انخفاض نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التكنولوجية على مستوى العالم، في الوقت الذي بلغ نصيب أوروبا من هذه البراءات 47.4 % وأمريكا الشمالية 33.4 % واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6 %. وقد بيَّنت الدراسات أن أهم أسباب هجرة العقول إلى العالم الغربي على وجه الخصوص، البيئة المحفزة والإمكانيات المتوفرة في تلك الدول.
تَعْتَبِر منظمة اليونيسكو هجرة العقول نوعاً سلبياً من أنواع التبادل العلمي بين الدول، يتسم بالتدفق في اتجاه واحد صوب الدول المتقدمة، لأن في هجرة العقول نقلاً مباشراً لأحد أهم عناصر الإنتاج في الدول، وهو العنصر البشري.