م. خالد إبراهيم الحجي
إن المخاطر والتكاليف والفوائد والمكاسب التجارية والاقتصادية والأمنية والسياسية لها تأثير قوي في مستويات العداء العربي لإسرائيل، فليس كل الدول العربية في حالة عداء مع إسرائيل بالدرجة نفسها؛ بعضها أقل عداءً لها من البعض الآخر.. في السابق، لم يكن هناك أسباب مقنعة لكل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين لتغيير الوضع الراهن الساكن الجامد بسبب سياسة العداء العربي لإسرائيل؛ لأن الحسابات السياسية العربية لم تأخذ في الاعتبار تكلفة الحفاظ على الوضع الراهن الساكن الجامد، وظلت تكلفة مهملة ومغفلة - عمداً - طالما طُبقت سياسة العداء العربي لإسرائيل التي لم تحقق أية نجاحات تذكر على أرض الواقع طوال سبعين سنة، وظهرت عدم فاعليتها واضحة جلية في عجزها عن تغيير مواقف إسرائيل أوحتى التأثير عليها.. ومع ذلك بقيت سياسة العداء العربي لإسرائيل مستمرة، لم تر الدول العربية الحاجة الملحة إلى تعديلها أو تغييرها أو تبديلها؛ لأن معظمها، إن لم تكن جميعها، غير متحمس وراغب في جعل التطبيع قراراً سيادياً لكل دولة؛ لذلك كان لا بد للإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من تعديل سياستها الخارجية إلى سياسة مرنة تستبعد معادلة العداء العربي لإسرائيل، وتقلب صفحة الموقف العربي الموحد إلى صفحة العلاقات الثنائية البناءة، عبر مفاوضات ثنائية غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية القادرة على تمهيد الطريق للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل؛ وبالتالي تصبح لكل دولة، على حدة، علاقات سياسية ثنائية جديدة مع إسرائيل، تسفر عن التطبيع معها.. وكي نفهم الاهتمامات والدوافع التي أدت إلى التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل بشكل أفضل، يتطلب تدقيق النظر في إستراتيجية العداء العربي لإسرائيل، وفحصها بإمعان، وتحليل تأثيراتها المتزامنة على القضية الفلسطينية والدول العربية على حدٍ سواء، والبحث عن إجابة صريحة على السؤال المهم التالي، لماذا هي إستراتيجية واقفة في مكانها، ساكنة جامدة لم تحقق نتائج على أرض الواقع لعشرات السنين.. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة، إذا كانت سياسة العداء العربي لإسرائيل غير فعالة، لماذا استمرت سبعة عقود؟ تكمن الإجابات في مجموعة من العوامل الهيكلية التي تتعلق بالجمود السياسي، وأهمها القصور الذاتي. وحسب تعريف المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) القصور الذاتي مصطلح يصف الحاات السياسية العاجزة من تلقاء نفسها عن تغيير جمودها، ما لم تدخل عليها قوة مؤثرة تغير من حالتها الساكنة. وبناءً ذلك رأت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين أن التوقيت أصبح مناسباً كي تبحث عن عوامل براجماتية يمكن استثمارها في التأثير على الوضع الراهن الساكن الجامد الذي فرضته سياسة العداء العربي لإسرائيل، والاستفادة منها في تحريك حالة السكون، وكسر وضعية الجمود، والانطلاق في طريق التطبيع مع إسرائيل، فوجدت العوامل البراجماتية التالية:
(1): سياسة العداء العربي لإسرائيل بعد سبعة عقود لم تحقق أهدافها المرسومة، ولا يوجد مؤشرات أو دلالات تفيد بأنها قادرة على أن تحقق أهدافها في المستقبل، لذلك فإن الاستمرار في سياسة العداء العربي لإسرائيل لن يحقق نتيجة مختلفة.
(2): التحول نحو إستراتيجية العلاقات الثنائية، والاستفادة من مزايا القرار السيادي الذي يجعل لكل دولة الحرية المستقلة لإنشاء العلاقات التجارية والاقتصادية والأمنية والسياسية مع إسرائيل بما في ذلك التطبيع الكامل.
(3): إجراء المفاضلات الاقتصادية والأمنية والسياسية بين الخسائر والأضرار الناتجة من سياسة العداء لإسرائيل، وبين المنافع والمكاسب المحققة من التطبيع مع إسرائيل، وقبول أفضل النتائج التي يتم التوصل إليها، حتى وإن كانت أقل من المستوى الأمثل..
الخلاصة:
يمكننا تحويل الفانتازيا والخيال المحيط بالقضية الفلسطينية إلى عالم الواقع بشيء بسيط من البراجماتية.