د. محمد عبدالله الخازم
لا أحبذ القول، احتفل العالم بيوم الانتحار. فلا أحد يحتفل بالألم والموت، بل استذكر العالم القضية وخصص لها يوماً سنوياً يسلط خلاله الضوء على موضوع الانتحار. وفق الإحصائيات كل 40 ثانية، شخص ينهي حياته بنفسه عبر الانتحار. ووفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية هناك 800 ألف حالة انتحار سنوياً على مستوى العالم، بل إن الانتحار يصنف كثالث مسبب للوفاة لدى الأعمار من 15-19 سنة. الأهم في الموضوع هو أنه أمام كل حالة انتحار هناك حالات حاولت أو فكرت في الانتحار ولم تنفذه أو لم تتمكن من تنفيذه. الانتحار ليس ظاهرة خاصة بدولة أو دول محددة، أو ثقافة محددة، فهو موجود في كل العالم والثقافات والأديان والخلفيات الاجتماعية، وإن اختلفت النسب من بلد لآخر.
الإقدام على الانتحار أو التفكير في الانتحار، هو اللحظة التي يصل فيها الشخص إلى القناعة بأنه لا معنى للحياة أو بأن الموت أفضل طريقة للتخلص من حياة مؤلمة. صحيح أن الانتحار أغلبه يتم كفعل فردي وبشكل غير تدميري مباشر لكن هناك الانتحار الذي يتم تحت غطاء أكثر قبولاً لدى المقدم عليه كما يحدث في الانتحارات الإرهابية أو المضرة بالآخرين تحت غطاء الرغبة في الإصلاح أو التخلص من أهل الشر، إلخ. وهناك انتحار لا يريد صاحبه أن يموت دون أن يأخذ آخرين معه، وهكذا.
نحن لا نريد التركيز على الانتحار الإرهابي وننسى الذي ينتحر ببلع كمية كبيرة من الأدوية أو بإشعال النار في نفسه أو القفز من برج عال أو استخدام المخدرات حد الموت. لا نريد أن ننسى بأن الاكتئاب والأمراض النفسية من أهم مسببات الانتحار أو الأعراض التي تسبق الانتحار. بل ونحتاج النظر خطوة أخرى للجذور فنقول إن العزلة وصعوبات الحياة وقساوة الأحكام الاجتماعية والإحساس بالفشل والتربية السيئة والعنف كلها أمور تقود للأمراض النفسية ومنها يجب أن نعالج الجذور التي تقود لعوامل تعتبر مفاتيح للانتحار.
سن المراهقة هي الفئة الأكثر انتحاراً، وحتى الكبار نجد كثيرا من الصعوبات النفسية التي تقودهم للانتحار منبعها الطفولة. لذا هي مسؤوليتنا اكتشاف الصعوبات النفسية والاجتماعية والتربوية التي يمر بها الصغار، سواء المتعلقة بالعنف أو التنمر أو القمع أو العزل أو التربية الخاطئة، إلخ. مسؤولية قطاع الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها وضع برامج مشتركة للحماية النفسية للصغار واكتشاف الأمراض والأعراض النفسية وعدم التهاون في معالجتها، بما في ذلك تغيير بعض المفاهيم الثقافية والاجتماعية التي لا ترى في الطفل سوى (مكينة) تحصيل دراسي دون الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية الأخرى...
مع صعوبات جائحة كورونا وعدم ذهاب الأطفال للمدارس نحتاج توعية وتثقيف أكبر بأعراض المشاكل النفسية وحث الآباء على مساعدة أطفالهم وعرضهم على متخصصين متى لاحظوا وجود تلك الأعراض. لا تستهينوا بالتفاصيل الصغيرة لأجل أطفالكم ومستقبلهم.
فعلوا خطوط الحماية والوقاية المتعلقة بالأمراض والمظاهر النفسية ذات العلاقة، وأوجدوا خطط تدخل عاجلة ومباشرة وحثوا أولياء الأمور والمعلمين على التواصل بشكل عاجل متى احتاجوا للدعم في ذلك، وبأن الأمر يتعلق بصحة وسلامة أبنائهم وسلامتهم ولم يعد عيباً اجتماعياً...