محمد سليمان العنقري
رغم التوسع بهيكلة سوق العمل منذ سنوات طويلة إلا أنه ما زال بحاجة للمزيد من التطوير ليواكب القرن الحالي وتحدياته الاقتصادية في رفع التنافسية والمساهمة بإيجاد حلول لملفات عديدة منها البطالة وكذلك ارتفاع حجم حوالات العمالة الوافدة للخارج نتيجة للعدد الكبير الذي لا يمكن تحديد مدى الحاجة الفعلية له خصوصاً فيما يخص تلك العمالة المخالفة للأنظمة ومع التوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني بعد اعتماد رؤية 2030م أصبح من المهم استكمال هيكلة سوق العمل بما يتناسب مع مستقبل التنمية بالمملكة.
وتبرز العلاقة التعاقدية الحالية للعمالة الوافدة كحاجة ملحة لتطويرها فقد نتج عنها ظواهر سلبية منها التستر التجاري وكذلك وجود عمالة مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل وضعف بالتنافسية للمواطن بسوق العمل وكذلك انخفاض بنسبة المشاركة الاقتصادية للعمالة الوطنية نتيجة لحجم الطلب على الاستقدام الواسع من الخارج خلال العقود الماضية فالمنشآت بعضها ينظر لطبيعة العلاقة التعاقدية الحالية مع الوافدين أنها ميزة أكثر لإبقائهم بالعمل لديهم وتقليص فرص انتقالهم لمنشآت أخرى وتمثل مثل هذه الميزة سبباً يجعلهم يتمسكون بالعمالة الوافدة على حساب استقطاب المواطنين حيث نتج عن كل ذلك تشوهات عديدة مع الزمن كالفجوة الكبيرة بين أجور المواطنين والوافدين وكذلك كثرة العمالة متدنية المهارة نتيجة انخفاض رواتبهم فلا يمكن استقدام عامل بمهارات عالية بمثل هذه الرواتب التي يقل بعضها عن ألف ريال وبالتالي أصبح السوق غير منظم نتيجة للعديد من الأسباب ومن بينها طبيعة العلاقة التعاقدية الحالية.
وحتى يكون الإصلاح للسوق متكاملاً مع بقية الإصلاحات التي اتخذت سابقاً وترتفع تنافسية العامل الوطني ويكون هو صاحب الحظ الأوفر بفرصة العمل فمن المهم دراسة إعادة صياغة العلاقة التعاقدية للوافد مع المنشأة التي يعمل بها لتكون مبنية على شروط العقد فقط مما سيقلل من حجم الاستقدام من الخارج وينقل تلبية الطلب على العمالة لتكون داخلية وهذا سيمنح المواطنين الفرصة الأكبر ليكونوا مطلب المنشآت لأنهم سيكونون العمالة التي تنمو سنوياً بالسوق وتلبي نمو الطلب على ما يولده الاقتصاد من وظائف دون أن تزداد التنافسية معهم من الخارج مع ضرورة الاتجاه لتقنين التأشيرات لأكبر قدر ممكن وهو ما سينعكس برفع إنتاجية العاملين من مواطنين ووافدين ويصحح من واقع سوق العمل ليكون أكثر كفاءة ويقلص حجم الإشكاليات التي تقع بالسوق حالياً نتيجة ممارسات خاطئة ترتكب بسبب طبيعة هذه العلاقة وسيساهم ذلك بالحد من التستر التجاري وتراجع حالات مخالفة أنظمة العمل من قبل الوافدين ويقلص من تكلفة التوظيف كونه سيكون من الداخل بنسبة أكبر.
تطوير سوق العمل مر بمراحل عديدة وقد يكون بحاجة أكثر من أي وقت مضى لدراسة بقية الأنظمة التي لم يطرأ عليها أي تعديل والأخذ بتجربة بعض الدول الشقيقة التي عدلت من طبيعة العلاقة التعاقدية للوافدين بدولهم مثل الإمارات والبحرين ومعرفة مدى الاستفادة من تلك التغييرات التي حدثت والقياس على آثارها الإيجابية والسلبية لمعرفة وتحديد أين تكمن المصلحة والفائدة في كافة الجوانب التي تخدم الاقتصاد الوطني وترفع من مشاركة المواطنين بالاقتصاد وتقلص بنسبة كبيرة من الممارسات المخالفة لأنظمة العمل وكذلك لإرشادات منظمة العمل الدولية التي لها دور بتقييم أسواق العمل بالعالم مما ينعكس على التنافسية الدولية للمملكة اقتصادياً.