عبدالوهاب الفايز
في مقدمة الأولويات التي يجب أن تشغلنا الآن وفي السنوات القادمة هو موضوع رفع (كفاءة الإنفاق الحكومي واستثمار البنية الأساسية)، فهذا المسار الضروري يتطلب العناية الخاصة التي تضعه في صدارة اهتمامات الحكومة ومجلس الشورى، وأيضًا في أولويات اهتمام قادة الفكر والرأي في الجامعات ووسائل الإعلام، وأيضًا، عبر مجلس الغرف السعودية، في أولويات القطاع الخاص، المطالب بتقديم المبادرات الاستثمارية والتشغيلية التي تساعد في هذا التوجه.
هذا الاهتمام الذي نتطلع إليه ربما أفضل آلية لتفعيله هي: إطلاق برنامج (كفاءة الإنفاق الحكومي) ليكون برنامجًا جديدًا يدخل ضمن برامج تحقيق (رؤية المملكة 2030)، حتى نحقق نقلة سريعة في هذا الاتجاه تحسبًا للتطورات التي سوف ترتبت على أزمة كورونا وآثارها السلبية الخطيرة المتوقعة على الاقتصاد العالمي في السنوات القادمة، نحتاج إلى البرنامج الذي يأخذنا إلى (التركيز) على هدف محدد قابل للتطبيق والقياس.
هذا البرنامج لا يحتاج إلى اعتمادات مالية كبيرة، كل الذي يحتاج إليه نخبة من كفاءاتنا الوطنية متعددة التخصصات والاهتمامات لكي يقوموا بالتحليل العلمي والمالي، وينظروا في الإمكانات المتاحة الآن، بالذات في البنية الأساسية، وينظروا إلى حجم الموارد البشرية العاملة في القطاع العام، وأيضًا ينظروا إلى الفرص التي تتيحها النقلة الرقمية الجديدة خصوصًا ثورة الذكاء الصناعي وأثرها على رفع كفاءة التشغيل والمراقبة للأعمال. المستقر الآن أن تطبيقات الذكاء الصناعي سوف تؤدي إلى تقليص عمليات التشغيل مع رفع كفاءة مخرجاتها.
مثلاً، الحكومة ضخت استثمارات كبيرة في البنية الأساسية للجامعات السعودية في السنوات الماضية، والآن هذه البنية لا تحقق العائد الأمثل من الاستثمار. نحتاج استثمارها في (برامج ودبلومات قصيرة تستهدف خريجي المرحلة الثانوية)، ومصممة لتقديم التدريب المتخصص المكثف لإعداد المتدربين لتنفيذ الأعمال من المنزل، والعمل عن بعد، وتدريبهم على ريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة. هذا توجه العالم الآن، ولدينا قطاعات تحتاج إلى الوظائف المتوسطة قليلة التكلفة. ونمو التجارة الإلكترونية يحتاج إلى هذه الموارد البشرية المدربة. في أزمة كورونا أثبت شبابنا نجاحهم في هذا المجال.
أيضًا الشاب خريج المرحلة الثانوية بالطبع لن يتطلع إلى دخل مالي كبير. يحتاج أن نضعه على الخطوات الأولى لاكتشاف ذاته وقدراته ومهارته، وأيضًا يحتاج إلى الحماية و(توفير شبكة الأمان الاجتماعي) التي تأخذه إلى مسار (المواطن الصالح المنتج). استيعاب واحتواء هذه الشريحة ضروري للعمل عليه سريعًا، لأن القطاعين العام والخاص لن تكون لديهما القدرة على التوسع في التوظيف، وحتى الجامعات ومؤسسات التأهيل الأخرى لن تتمكن من استيعاب جميع خريجي المرحلة الثانوية الذين أصبح أغلبهم (بحدود 90 بالمئة) يتجهون للجامعات، ونحتاج إلى سنوات وجهود مضنية لمعالجة هذا الخلل الكبير في هيكل التعليم العام.
برامج التدريب المكثف السريع للشباب في الخدمات الإلكترونية سوف تتيح لشبابنا فرصًا وظيفية سريعة، وسوف توفر الموارد البشرية التي تساعدنا (لإرجاع آلاف الفرص الوظيفية المهاجرة)، في مجالات مراكز الخدمات الإلكترونية وغيرها. هذا الوضع قد يتكرر مع الوظائف التي تنمو سريعاً الآن على ضفاف التجارة الإلكترونية. إذا تأخرت المبادرات الحكومية وأمضى البيروقراطيون الوقت في الاجتماعات وطلب الاستشارات! نخشى أن تطير منا الفرص الوظيفية والتجارية، ويتحول أبناؤنا وبناتنا عالة علينا، وخطرًا على أنفسهم وعلى بلادهم.
الآن، وبعد كل النجاحات التي حققناها في البنية الأساسية، النجاح الحقيقي ليس في البناء، بل في كفاءة التشغيل واستثمار الموارد، وهنا تأتي (أهمية الإدارة). أنا أجزم مرتاحًا أن نصف الطاقة الاستيعابية للقطاع الصحي والتعليمي غير مستثمرة، وكذلك طرقنا ومطاراتنا، وأغلب مباني الحكومة، وحتى (أسطح المساجد)، فلدينا (بتحفظ) أكثر من 30 مليون متر مربع مهدرة ولم نستغلها لإنتاج الطاقة الشمسية، أو لتكون في خدمة سكان الحي.
عندما انطلقت رؤية المملكة وبرامجها، قلت حينئذ إن هذا هو المشروع الكبير الطموح الذي نحتاجه لإنهاء (حالة فن الهدر لمواردنا).. والآن الحكومة تتبنى كفاءة الإنفاق والاستثمار للموارد الحكومية، وهذه التوجهات الإيجابية ليتها تكون تحت مظلة برنامج وطني متكامل، وليس فقط مسؤولية جهة أو لجنة حكومية. إنه مشروع وطن