محمد آل الشيخ
بعد اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل، أعلنت واشنطن أن مملكة البحرين ستكون الدولة الخليجية الثانية التي ستوقع مع إسرائيل اتفاقية سلام،؛ وقرار كهذا هو قرار سيادي، يتعلق حصراً بين طرفي الاتفاق، ولا دخل لأحد فيه؛ فتلك الدولتان هما فقط من يُقدرا مقتضى مصالحهما وتتخذان القرار، وليس لأحد الحق أن يتدخل في هذا الشأن السياسي المتعلق بالسيادة. أما ادعاءات المسيسين المتأسلمين، ومن لف لفيفهم أنها ممارسة محرمة، فهو زعم لا دليل عليه ولا شواهد له، بل وأن كثيراً من الفقهاء غير المسيسين، مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله قد أفتيا بجواز الصلح مع إسرائيل، الأمر الذي يلغي هذا الادعاء من أساسه. وفي تقديري أن خطوة كهذه الخطوة من شأنها أن تحرك هذه القضية التي فشل العرب وبالذات الفلسطينيون في حلها بالحروب، بينما نجحوا في تحقيق تقدم ملحوظ من خلال المفاوضات السلمية.
ومن يقرأ تاريخ القضية الفلسطينية الإسرائيلية منذ 1948 وحتى الآن، وهو عمر يمتد إلى اثنين وسبعين سنة، سيجد أن القضية الفلسطينية في تدهور مستمر، والغلبة طوال تلك الفترة لصالح إسرائيل؛ فالمساحة الإسرائلية أصلاً في قرار التقسيم كانت قرابة 49% للفلسطينيين و51% للإسرائيليين؛ الآن استولت إسرائيل على قرابة 80% من الجغرافيا الفلسطينية، أي أن الحروب التي قامت بين الإسرائيليين والعرب جميعها كسبتها إسرائيل، بينما استطاعت مصر والأردن وكذلك الفلسطينيون أنفسهم بالحصول على أراض كانت محتلة فعلاً من قبل إسرائيل.
كما أن إسرائيل لم تعد بالنسبة لنا نحن الخليجيون العدو الأول، كما كان الوضع قبل أن يجثم ملالي الفرس الصفويين على إيران عام 1979، ويبدؤون في تصدير الثورة، ولا قبل أن يتربع أردوغان على كرسي الرئاسة في تركيا، ويعمل على إعادة الاحتلال العثماني للعالم العربي، الذي ذاق العرب، وهذه البلاد خاصة، منه الأمرين. ونحن وليس عرب الشمال، ولا عرب الشمال الإفريقي، من يُقيم الأخطار المحدقة المحيطة بنا، ويرتب الأولويات. مشكلة أغلب عرب الشمال، وكل الفصائل الفلسطينية، يصرون على الوصاية علينا، وتحديد هذه الأولويات، ويزعمون أن إيران الملالي، وكذلك تركيا أردوغان، لا يُشكلون علينا خطراً كما هو الخطر الإسرائيلي، وهذه وصاية متعسفة ومرفوضة من قبلنا جملة وتفصيلاً.
الأمر الآخر، والذي لا وجود له في قواميس من يرفضون السلام والتطبيع مع إسرائيل مؤداه أننا في الخليج نضع التنمية الشاملة لدولنا شأناً رئيسياً يأتي على رأس أولوياتنا، ودولة كإسرائيل دولة متقدمة ومتفوقة في كافة المجالات، ومن خلال إيجاد مساحة للتعاون السلمي معها نعتقد أننا سنستفيد من تقدمها وتفوقها، بينما أن من يناوئون إسرائيل لا يهتمون البتة لا بالتنمية ولا بالتحديث قدر اهتمامهم بشعارات ثورية، وجعجعات فارغة، جعلتهم تنموياً في ذيل دول العالم من حيث الحداثة والتطور، فقط قارن بين ما وصلنا إليه من نمو اقتصادي، وأمن مستتب، واستقرار وعمران، بما وصلت إليه دول الرفض العربي في كافة المجالات، ستجد أن البون بيننا وبينهم لا تخطئه عين ونحن على يقين أن تعاوننا مع إسرائيل المتفوقة، ومن خلفها راعي هذا السلام الولايات المتحدة الأمريكية سيصب قطعاً في مصالحنا الوطنية، وسيكون له أطيب الأثر على أمننا الوطني، وتحديداً تجاه أعدائنا، وسوف ينعكس انعكاساً إيجابياً على تنميتنا التي هي بالنسبة لنا، بل وبالنسبة لكل دول العالم، بمثابة (الشرعية) للبقاء والاستمرار..
إلى اللقاء.