د. خيرية السقاف
اقترب العد التنازلي لعودة الحياة اليومية إلى مجراها الذي تعوده الناس حركة حيث يعملون، وسفراً حيث يتجهون، وأوبة نحو ما يقصدون..
بمعنى يشير إلى التحلّل الكبير من جائحة حلَّت بثقلها،
نزلت فعصفت، أقصت وحجبت، منعت، وقيدت، ثم ضعفت، وتتلاشى، ولكن؟!
هي كذلك المار بفلاة واسعة أخذ بمنجله يشج في جذوع الشجر المتناثر علامةَ عبوره،
تلك التي ستبقى شارة له، وخبراً عنه، ودليلاً عليه..
قلنا كثيراً عن هذا الذي عبر بشجر أيامنا بين البشر، هذه التي اقتربت من تمام أيام سنة،
قلنا عمَّا فعل ليس فقط بالأجساد التي غزاها فأنهكها، ولا بالأرواح التي استعمر قوالبها فأذن الله لها فقبضها إليه، ولا بالنفوس التي شكَّلها بألوان آثاره فغيرها، ولا بالأفكار التي بذرها في تربة مدارك الناس، وعقولهم فأنضج بعضها، وطمس بعضها..، بل بالأرض وما تغير فوقها من الحركة، والسكون، والإضافة والتغيير، والابتكار والتجديد حتى في مسرى الأقدام، وخطى المخيلات، وملمس السطوح، ومجرى الأنفاس..
إن النوازل الكبيرة دوامات ليست فقط ظاهرة ملموسةً؛ كماء يجرف، وريح تُفنِي، وبراكين تُحرِق، وصواعق تقصم، وزلازل تقبر، وموت يغيِّب،
وهي أيضاً ليست باطنة فقط كأحزان تُغرِّب، وخيباتٍ تغمُّ، وخسارات تُفجِع، وآلام تُبكي، وخيانات تُكرِب..
الدوامات نوازل كهذا الذي مر بفلاة الأشجار المتجذرة في عمق أراضي الذوات البشرية، ترك فيها منجله، وفوق جذوعها الظاهرة شج آثارها، وأسقط ألوانه على أوراقها..
والآن؛ حين يعود الناس إلى مجرى حياتهم اليومي الذي اعتادوا لن يكونوا كما كانوا أبداً..
ولسوف تبسط قراطيس التدوين لمسرى حركتهم الظاهرة، والباطنة..
ولسوف تُقرأ بعيداً بعيون أكثر اتساعاً، وعقول تخلف..