عبدالعزيز السماري
يُعَدُّ التاريخ أحد أهم المواد التي يجب أن تدرسها في المدرسة، والشعوب أو الأمم تحتاج إلى دراسة ماضيها إذا كانت تريد تغيير المستقبل، على حد قول ونستون تشرشل: «الأمة التي تنسى ماضيها ليس لها مستقبل»، لكن ذلك لا يعني الاستسلام للماضي بإطلاق واستنتساخ التاريخ بكل تفاصيله، ليكون حاكماً على الحاضر، وهو ما نعاني منه، فالعالم يتغير إلى الأمام، ولابد من مسايرة التغيير، وبدون التنازل عن هويتك الثقافية..
يزخر الماضي العربي والإسلامي بالمجد والانتصارات، وكان لهم دور في وضع الأسس للمرحلة العلمية الحاضرة، لكنه كان أيضاً غنياً بعناصر الشقاق والخلاف، والدهشة أننا أخذنا من الماضي أسوأ مراحله، فأعدنا الانشقاق والتمزق من خلال التفكير الطائفي، وتركنا المجد المعرفي ليكون أساساً للحاضر.
الساحة تزدحم بالخطاب الطائفي في الأوساط العربية، فالشيعي يعتقد أنه الدين الحق، كذلك مختلف طوائف السنة وغيرها، وهو ما حوَّل المنطقة إلى برميل من البارود، وأداة للتدخل الأجنبي، وموالاة القوى خارج المنطقة. ولكن كيف نتجاوز هذه الأزمة المتفجرة، وكيف يتوقف الولاء العربي إلى غير العرب، وربما نحتاج إلى خطاب جديد يقلل من التطرف الطائفي..
لنأخذ العراق، سوريا واليمن مثالاً، بلدان عربية تحترق تحت نار الطائفية، ولو سألت الأصوليين من مختلف هذه الطوائف عن كيفية الخروج من هذا المأزق لوجدت العجب، فأطروحاتهم تقوم على إلغاء الآخر، وربما نفيه أو قتله، وهو ما يعني أن الصراع سيكون واقعاً في المنطقة العربية لزمن طويل، كذلك اليمن في صراع مع الطائفة التي تمزق الشرق العربي وتحوله إلى كيان إيراني، وفي سوريا أفسدت داعش والنصرة المطالبات المدنية، وذلك عندما استنفروا ماضي الشقاق إلى الحاضر، وأشعلها السماح الأجنبي في التدخل الإيراني.
الحل يكمن في الخروج من حكم الطوائف، وإخراج هؤلاء من المشاركة السياسية، لأنهم يهدمون الأسس التي يقوم عليها الوطن، ومنها أن يتم منع الأحزاب الدينية، والعمل من خلال آليات المجتمع المدني، وأن يتم تجريم الطرح الطائفي، من أجل طرد الغزاة. والواقع الحالي لم يكن وليدة الصدفة، فقد استغل الغزاة هذه الثغرة في الواقع العربي من أجل بسط نفوذهم، ومن خلال المبدأ السياسي الشهير: فرِّق تسد.
هدف الفوضى الخلاقة أو الهدامة، هو أن ترضخ الدول العربية للتدخل الأجنبي، وأن تقبل بالشروط الجديدة، وبالتنازل عن استقلالها ووحدتها من أجل السلامة من هجمة الفوضى السياسي، ولعل المشهد العربي الحالي يشهد بصدق هذه المعادلة، فليبيا تحولت إلى ساحة صراع عالمي، ولم يتعلم أبناؤها الدرس من الماضي، فالحل لن ينجح إلا بقبول مبدأ التنازل إلى الداخل، وليس الخارج.
الهروب إلى عقد تحالفات مع الخارج ليس حلاً، ولكن هروب من الواقع، فالعراق يرضخ تحت سيطرة إيران، وليبيا سمحت لتركيا في الدخول، وغيرهم وجد الحل في اللجوء إلى تحالفات مع الكيان الصهيوني، وذلك واقع أليم، وقد ينتج عنه تنازلات أكثر ألماً..