عبد الله باخشوين
** بدا الأمر، كأني سأكتب (قصة)، ليست كقصصي وكوابيسها، التي تهندست، عن سابق إصرار وتصميم.
لكنها (قصة) قصتي أنا.
أي التي سأعيش كابوسها، لأعوام مديدة- انسرقت من عمري.
والمطلوب هو أن أكون الكابوس.. والذي يعيش الكابوس، ويمارسه، ويشاهده كأنه يحدث في (فيلم) أمريكي.. أو إيطالي- على الأصح.. لأن السينما الإيطالية هي التي أسست (كوابيس) الفن السابع.
وعلي أن أصدق ما أرى، لكن علي أن أمثله وأكون البطل فيه، وبدلاً من (المخرج)، يحركني من المخرجين عدد لا أستطيع أن أحدده أو أعرفه أو أحصره.
وفي مطاردتي لـ(العدو).. أجد أنني (العدو الوحيد).. وهذا -بالمناسبة- عنوان لقصة للكاتب جوزيف كونراد.
في لحظة (ما) استدعيت زوجتي وصديقي فاروق.. وقلت بقلق:
- إذا حسيتوا أني مجنون خلوني في البيت لا تودوني المستشفى.. توعدوني..!
فضحكا معاً، وقالت عفاف:
- ليش انت كنت تحسب نفسك عاقل.. من قبل ما أتزوجك وأنا عارفه إنك مجنون وحذروني منك.. فاكر ولا نسيت.. بس خلاص كنت عارفة أنك نصيبي في الحياة وقبلته وأنا سعيدة..!!
ضحك فاروق، وقال:
- خليك فى جنانك ومالك بالباقي لا تشيل هم..!!
أيقنت عندها أنني الوحيد العاقل الذي يرى العقل في نفسه وحده دون أمل في شريك أو مساند.. وبدأت رحلتي بالهروب (كهارب ليس يدري من أين.. أو أين يمضي.. شك.. ضباب.. حطام.. بعضي يمزق بعضي) كما كان يقول الشاعر كامل الشناوي ويغني عبدالحليم.
كان هروبي- مني أكبر خيبة أمل في حياتي.. غير أن السفر.. خلق لي عيناً ثانية.. وثالثة.. ورابعة حتى أصبحت مجرد (مجموعة عيون) ترى وتسجل وتخزن.. وأنا أحاول أن أفهم دون أن أمتلك وعياً يساعدني على الفهم أو المقاومة.
شيء وحيد -فقط- أضاء مخيلتي وأكد لي أن لا سبيل للخلاص من العدو الذي يسكنني إلا عن طريق فهمه ومصالحته.. والتعاون معه.. إلى أن أتت اللحظة التي أدركت فيها أن عدوي هو صديقي الوحيد أيضاً.
وبس خلاص انتهى الموضوع الذي استهلك من حياتي سنين طويلة حتى بدأت أفهمه وأبحث عن مفاتيحه.. وضحكت وأنا أتذكر مشهداً للفنان سعيد صالح من مسرحية (هللو شلبي).. وهو يجذب طرف الجورب في إحدى قدميه ويعرضه على من يقف أمامه، ويقول باستغراب:
- بص الشراب عامل إزاي.