د.سالم الكتبي
لإيران لوبي إعلامي عربي موالٍ لها، يعمل بآليات مشابهة لتلك التي تعمل بها الميلشيات والتنظيمات والأذرع الطائفية الموالية للملالي في دول عربية عدة. والمفارقة أن اللوبي الإعلامي الإيراني ليس شيعيًّا حصرًا، بل يضم سنة وشيعة، كما التنظيمات والميليشيات والأذرع العسكرية الموالية للملالي التي تضم طيفًا واسعًا من الفصائل الشيعية والسنية المنتشرة في مناطق شتى من عالمنا العربي.
هذه المقدمة هي خلاصة تجاربنا واحتكاكنا بالمشهد العربي الراهن في تفاصيله الإعلامية والسياسية، وتذكَّرتها حين رأيت الكثير من مقالات الرأي المنشورة في مواقع وصحف عربية تدافع عن أفكار ومزاعم الملالي بشأن أهداف اتفاق العلاقات بين الإمارات وإسرائيل؛ إذ اندفع الكثيرون للترويج للمزاعم القائلة بأن هناك تحالفًا عسكريًّا وأمنيًّا ضد إيران في طور التشكل بين البلدين، وأن هناك قاعدة عسكرية إسرائيلية ستُقام على شواطئ الإمارات في مواجهة التهديد الإيراني القادم من الشرق!
يعرف الكثيرون، أو أستنتج أنا شخصيًّا، أن مثل هذه الحملات الإعلامية تستهدف الضغط على الإمارات، وإثارة مخاوفها من «غضب الملالي»، فضلاً عن أنها تهدف أيضًا إلى تشويه سمعة وصورة دولة الإمارات، والإساءة إليها بالترويج لفكرة كاذبة حول تحالفها المزعوم مع إسرائيل وفق قاعدة «السلام مقابل الحماية»، وهي فكرة متهافتة لا تصمد في مواجهة أي نقاش تحليلي موضوعي؛ لأن الإمارات - ببساطة - لا تحتاج إلى حماية إسرائيل، ولا تخشى نظام الملالي الذي يعد نمرًا من ورق، ويقتات على الأزمات وتصدير الخوف وخطاب الاستهداف الخارجي للشعب الإيراني المغلوب على أمره، علاوة على أن إسرائيل نفسها ليست في وضع استراتيجي يؤهلها لخوض حروب ضد الملالي أو غيرهم دفاعًا عن حلفاء أو أصدقاء بحكم أن إسرائيل هي أحد أهم شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في العالم، وليس في الشرق الأوسط فقط، وهي أيضًا أحد أهم المستفيدين من غطاء الحماية الاستراتيجية الأمريكي في حال تعرضها لهجوم خارجي مفاجئ!
ويعرف الكثيرون أيضًا أن إقامة علاقات بين إسرائيل وأي دولة عربية هو ملف أمني بالأساس، وليس سياسيًّا فقط؛ وبالتالي فإن وجود مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال مائير بن شبات، ورئيس جهاز «الموساد» يوسي كوهين، ضمن الوفد الأمريكي - الإسرائيلي، الذي قام بزيارة إلى الإمارات مؤخرًا، ليس دليلاً على تحالف أمني كما ذهب اللوبي الإعلامي العربي الموالي لإيران، الذي ينقل حرفيًّا ما يُملى عليه من طهران وضباط الحرس الثوري الإيراني؛ فالزيارة التي ترأس الوفد الأمريكي فيها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ضمت مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، والمبعوث الأمريكي الخاص لإيران برايان هوك، وعددًا من كبار شخصيات إدارة الرئيس دونالد ترامب، كما ترأس الوفد الإسرائيلي مستشار الأمن القومي مائير بن شبات، يرافقه نحو عشرين مسؤولاً من المقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وجرت المناقشات خلال يومين حول سبل تعزيز التعاون في مجالات تشمل الطيران والسياحة والتجارة والصحة والطاقة والأمن.
ولا يمكن بأي حال لأي زيارة على هذا المستوى وفي الظروف والمعطيات السياسية والاستراتيجية نفسها أن تستبعد الملف الأمني، أو يزعم القائمون عليها أن النقاشات الأمنية كانت بعيدة عن طاولة المحادثات؛ فالأمن لم يعد محصورًا في هواجس الملالي التقليدية حول شن هجوم صاروخي على إيران أو قصف المنشآت النووية الإيرانية؛ فكل ذلك لا يحتاج إلى مشاورات إسرائيلية مع الإمارات أو غيرها من الدول، ربما باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية فقط؛ إذ اتسع مفهوم النقاشات الأمنية ليشمل دائرة واسعة للغاية، تشمل وسائل الحماية من التهديدات السيبرانية، والتصدي للقرصنة والهجمات الإلكترونية التي تهدد اقتصادات الدول المتطورة، وفي مقدمتها الإمارات التي أعلنت خلال شهر أغسطس الفائت أنها تصدت لنحو 123 ألف هجمة إلكترونية خلال ذلك الشهر فقط؛ ليرتفع إجمالي عدد الهجمات التي نجحت السلطات في التصدي لها خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري إلى 555 ألفًا و321 هجمة.
لوبي إيران الإعلامي في عالمنا العربي يضم شخصيات وأسماء عديدة، ويروج لمزاعم كثيرة أخرى، منها ما يتعلق بأهداف سعي الإمارات لشراء مقاتلات «إف 35» الأمريكية المتقدمة، ويزعمون أن ذلك هو جزء من استعداد التحالف الإماراتي - الإسرائيلي لاستهداف إيران. علمًا بأن الإمارات تحرص دائمًا على تطوير قدراتها العسكرية والعملياتية بامتلاك أحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا على الصُّعد الجوية والبحرية والبرية، وليس في ذلك شيء مفاجئ، علاوة على أن شراء الأسلحة هو حق سيادي إماراتي لحماية الدولة من التهديدات الإيرانية المتواصلة التي لم تعد تخفى على أحد، ومن حق الإمارات ضمان أمنها في مواجهة مثل هذه التهديدات السخيفة. كما يروج هذا اللوبي أيضًا لأكذوبة متهافتة حول رغبة إسرائيل في التصدي لإيران نيابة عن الولايات المتحدة على خلاف المؤكد في ذلك، وهو أن الولايات المتحدة هي من يتعهد بحماية إسرائيل!