عبدالرحمن الحبيب
القطاعات التي تثرينا ثقافياً وتريحنا نفسياً كالثقافة والفنون والرياضة والترفيه هي من أشد القطاعات تأثراً بوباء كورونا، رغم أنها تعود لممارسة عملها ببطء شديد.. فالملاعب فارغة مخيفة، ومقاعد السينما متباعدة موحشة، ولا تزال أغلب المتاحف مغلقة، أما اللقاءات الثقافية فتتم افتراضياً وقاعات الحفلات الموسيقية مغلقة.. وقطاع السياحة والفندقة والطيران كلها تعاني..
حتى لو انتهت أزمة الوباء فلن تعود الأمور كما كانت عليه بل من المتوقع أنها ستأخذ أشكالاً جديدة، فثمة تطورات تجري بسرعة فائقة في الابتكار الرقمي والإبداع التكنولوجي.. فما هو مستقبل هذه المجالات؟ لمساعدتنا على الإجابة، طلبت مجلة فورين بوليسي من قادة فكر وخبراء متخصصين توقعاتهم، وهنا خلاصة أقوالهم..
يقول مارك هانسون (الرئيس التنفيذي لشركة سان فرانسيسكو سيمفوني): بدون مبالغة، كان تأثير الوباء على فنون الأداء الموسيقي مدمرًا. فوجود الأوركسترا يعتمد على جمع الناس معًا وبناء المجتمع من خلال قوة وعاطفة الموسيقى الحية. بالنسبة لكثيرين، هذه الخسارة هي تجربة وجودية. على الرغم من أنني لا أستطيع التنبؤ بالمستقبل، إلا أنه من المحتمل عندما يعود الجمهور، فسيكون تأثير الوباء هو الإسراع من قدرة الفنون على التواصل مع الجماهير عبر التكنولوجيا. الآن وأكثر من أي وقت مضى، نحن نستثمر ونفكر بشكل خلاق في طرق جديدة لدعم وتوسيع هذه الاتصالات رقميًا.
الوباء وضع هوليوود على جهاز التنفس الصناعي، حسب جوناثان كونتز المؤرخ السينمائي والمسرحي بجامعة كاليفورنيا. لقد قتل فيروس كورونا كل فرع من فروع نموذج أعمال هوليوود، ولن ينعشه أي جهاز تنفس. بالأساس كان هذا النموذج تحت الحصار بالفعل قبل كارثة عام 2020، وكل ما حصل هو فقط تسريع التغييرات التي أطلقتها خدمات البث منذ أكثر من عقد. لقد أدى تدفق الأفلام في المنزل إلى إزاحة المسارح لعقد من الزمان، وكان هذا التغيير قادمًا للسينما لا محالة، بكورونا أو من دونها. كل ما فعله الفيروس هو توجيه ضربة قاضية لمريض محتضر، وُضِع على فراش الموت من خلال خدمات البث المباشر مثل نتفلكس وتكنولوجيا الكمبيوتر للقرن الحادي والعشرين.
لكن على خلاف المسارح والسينما يبدو أن المتاحف كانت مزدهرة قبل كورونا، حسب جيمس سنايدر الذي يوضح أنه قبل ظهور الوباء، كان مجتمع المتاحف الدولي يزدهر ومكَّن المتاحف من عرض الثقافة العالمية بطرق غير مسبوقة؛ وأصبح الجمهور بجميع أنحاء العالم معتادًا بشكل متزايد على التغذية الروحية من خلال الاستمتاع بهذه العروض في أماكن رائعة.
أما الآن فقد انتهى العصر الذهبي للمتاحف، وتم إغلاق الغالبية العظمى من متاحف العالم، وفقًا لمسح أجرته منظمة اليونسكو -مؤخرًا-، وقد أثبتت إعادة فتحها بالفعل أنها تواجه تحديًا هائلاً. لكن المتاحف تجرب طرقًا لزيارات آمنة دون إعاقة الفرح الذي تجلبه إلى جمهورها. في الوقت الحالي، يتعلق الأمر بالحد من عدد الزوار، وطلب الحجز المسبق، وتسجيل معلومات الاتصال، وضمان سلامة المعارض المعقمة. للمضي قدمًا، ستحتاج المتاحف إلى استراتيجيات جديدة لإنتاج وتقديم برامج غنية بينما لم تعد قادرة على الاعتماد على أرقام الحضور القوية التي ساعدت في نجاحها..
الرياضة ليست أحسن حالاً، كما يري ديفيد كلاي لارج (جامعة كاليفورنيا)، فقد تم تأجيل الألعاب الأولمبية الصيفية بطوكيو 2020 حتى عام 2021 بسبب انتشار الوباء. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان التأجيل إلى عام 2021 سيؤتي ثماره. ولا يظهر الوباء أي علامات على التراجع، وإذا استمرت الظروف على ما هي عليه، فمن غير المرجح إقامة الألعاب الصيف المقبل. هل يمكن تأجيلها مرة أخرى؟ غير مرجح، كما يقول المنظمون اليابانيون لقد انخفض بالفعل الحماس في طوكيو، وسيكون من المستحيل فعليًا العثور على مدينة بديلة مستعدة لتحمل المخاطر المالية الهائلة. ففي النهاية، لا يوجد حدث رياضي كبير يعتمد على السفر الدولي أكثر من الألعاب الأولمبية. يمكن التفكير في مباريات كرة السلة وكرة القدم (وإن كانت أقل إمتاعًا) كأحداث تلفزيونية فقط، ولكن الألعاب الأولمبية كانت بمثابة مهرجان احتفالي لشعوب العالم من متفرجين ورياضيين.
نختم الآراء بالمديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي التي توضح أن تأثير الوباء كان مدمرًا للثقافة والفنون، والقضية الأكثر إلحاحًا هي أن عددًا لا يحصى من الفنانين في جميع أنحاء العالم تُركوا من دون أي دخل. حُرم ملايين الأشخاص من عائدات السياحة التي تعتمد بشكل كبير على الأماكن والمنتجات الثقافية. لقد كشفت الأزمة عن ضعف وهشاشة بيئتنا الثقافية.
إلا أن أزمة وباء كورونا أظهرت لنا مدى أهمية الثقافة في حياتنا وهوياتنا، فهي تساعد على ترسيخنا في الحاضر وتسمح لنا بتخيل المستقبل. كما أظهرت الأزمة الفرص المذهلة التي توفرها التقنيات الرقمية لربط الثقافة بالجماهير بجميع أنحاء العالم، والتي ستستمر بلا شك باعتبارها اتجاهًا رئيسيًا للمضي قدمًا، حسب أزولاي.
لذا، تقول، يجب أن يتحد العالم لحماية تراثنا الثقافي من خلال توفير التمويل المستدام للمؤسسات الثقافية. يجب أن نضمن ظروف معيشية وعمل مستقر للفنانين لكي يزدهروا. ويجب أن نسمح لكل شخص بالوصول إلى التنوع الثقافي الكامل، فالثقافة تحفز خيالنا وتطلق العنان لإبداعنا لبناء مستقبل أفضل.