في اليوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة لعام 1441 من السنة الهجرية رحلت جدتي لوالدتي نورة محمد العبيد النملة وفيها أهم السجايا الخيِّرة كلها..
(طهر القلب) فمنذ وعيت طفولتي وأنا ألعب هنا وهناك في منزلك العامر وأجلس بقربك واستمتع بحديثك إلي أو إليهم..لا أذكر يوماً أن نطقت من قلبك كرها وغِلاًّ على أحد..
حفيدتك الأولى.. ابنتك كم أمتنُّ حين تقولينها.. أتذكر جيداً أنهم قد يخطئون في حقك ويقصّرون في واجبك ويغفلون في صلتك لكنها تذكر أكثر وأوضح أنك تركتهم يعودوا عن تقصيرهم لخجلهم وحسن ظنهم فيك.. طمعوا بطيبتك وغلبتهم حنيتك وكرمك وحرصك عليهم.. وكم بوركت حياتهم بدعواتك..
فيك من طيب السجايا الكثير إلا أن نفسك السهلة السمحة أعذبها.. التي تسامح وتنسى ما أطيبها وأرسخ أثرها فينا.. بل حتى عتابك السريع القليل تنسيه بالترحاب والبسمات والأشواق..
بل هذا ولله الفضل الورث الأعمق الذي أبقيته فيني (لا أعاملهم بأخطائهم وأنسى.. فأجد وداً وعرفاناً يبقى)..
الحب الكبير الذي عمر دارك وترعرع في ذويك كبير..كبير..
أحب حبك لكل جميل من أي شيء لا لنفسك فقط، بل لنية خفية لديك..حب العطاء للجميل.. والكل يشهد مجلسك..كم آثرت نفسك ومنحت الكثير مما لديك حتى لمن لا يحتاجه، بل لإدخال السرور عليه.. نفسك الجميلة آه ما أجملها.. ما بخلت يوماً عليهم بأي غال ونفيس..
(عسى الله يرزقك قد نظرك)...
دعوتك المحبوبة ما أطيب وقعها في نفوسنا لطالما حلقت بنا وكأننا نعلم يقيناً أن أمانينا الصغيرة، بل والكبيرة في طريقها إلينا..
ما أغلاك وما أثمن ثروتك التي أبقيتها فينا، حبك الممتد للكبير والصغير والحاضر والغائب الراحل أو الموجود قائماً فينا لا يرتحل.. طيَّب الله روحك اللاهثة التي تتفقد كل أحد فتصله بخيرها وتعطف عليه بجودها.. ما خاب مسعاك.. أورق ما زرعت وسنستظل بطيبه حتى نلقاك فنتعاهد على البر والدعاء والوصال..
«والصبر عند المصائب صعب...
ولكن فوات الثواب أصعب»
والدتي.. أخوالي وخالاتي ونحن الأحفاد وذووهم..صبراً ودعاءً ولا غلبة لحزن الشيطان فينا.. الخير باق، سنتواصل باللقاء والصلة والخير والدعاء كما عهدتنا الحبيبة.. رحمك الله وجعلك في روضة من رياض الجنة مع رفيق دربك -رحمه الله- الذي سبقك بسنوات وانتظرك كما شهدت الرؤيا..
اللَّهم إنا نشهدك أن جدي وجدتي -رحمهما الله- قد جمعانا في دارهما العامرة بالحب وأثمن الأخلاق وأكرمانا بسخائهما صغاراً حتى كبرنا وكم افتخرنا بذكرهما ولذنا بحنانهما.. فطيَّب الله ترابهما بالمسك والريحان وأجمعهما بوالديهما وأحبابهما في روضة من رياض الجنة.. فالفردوس الأعلى معهم يا حي يا قيوم.
الحمد لله على كل حال.. الحمد لله على نعمة الإسلام.. نودع أحبتنا في دنيا فانية ونلقاهم -بإذن الله- في جنة نضرة عالية.
** **
- هدى بنت ناصر الفريح
hudaalfourih@gmail.com