خالد بن حمد المالك
ليس أمام العرب من خيار آخر غير التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، فقد جربوا الحروب وخسروها، وجربوا معاداة إسرائيل ولم يكسبوا شيئًا، وحاولوا الصلح معها بشروطهم ففشلوا، وانتهى بهم المطاف إلى محاولة تجربة ما لم تحققه الحروب، بمحاولة تحقيقه عبر السلام، بدلاً من أن (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) وهو كلام خدّر العرب والفلسطينيين، وجعلهم لا يقبضون إلا المزيد من الفشل والضياع بسبب تعنت إسرائيل، وعدم اعتراف العرب بها، ما أثار تخوفها.
* *
أنا مع بعض القادة الفلسطينيين من أن القضية الفلسطينية هي قضيتهم، ولا شأن للعرب بها، وأنهم «الفلسطينيون» مسؤولون عن إقامة دولتهم على كامل التراب الفلسطيني بالكفاح المسلح، وهو ما يعطي الحق للعرب في التطبيع وإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، لكون الفلسطينيين قد تكفلوا باسترداد حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف، دون حاجة إلى العرب الذين طبعوا علاقاتهم مع إسرائيل، لكني لست معهم في اعتراضهم على اعتراف أي دولة عربية بإسرائيل، لأن مثل هذا الاعتراف لا يحول دون المطالبة بتحقيق حقوقهم، ولا يقوض قدرات يملكونها لإجبار إسرائيل على التنازل عن أراض هي لهم بموجب قرارات الشرعية الدولية.
* *
بل إن مثل هذه الاعترافات العربية بإسرائيل ربما ساعدت في إقناع إسرائيل بالتجاوب مع بعض مطالب الفلسطينيين، وبغير ذلك فإن تجربة سبعين عامًا من معادة إسرائيل لا توحي بأن المستقبل سيكون أفضل حالاً مما كان، فالخلافات الفلسطينية - الفلسطينية، ومثلها العربية - العربية، مع تنامي القوة العسكرية الإسرائيلية الضاربة، ودعم القوى الكبرى لها، مؤشرات من الحكمة أن تكون حاضرة في أي قرار عربي أو فلسطيني، وأن تكون هناك استراتيجيات جديدة، وآليات عمل أخرى، وتفاهمات مع إسرائيل غير التي كانت، وصولاً إلى تحقق مكاسب لن يكون بمقدور الفلسطينيين أن يصلوا إليها دون إقامة علاقة سلام عربية مع إسرائيل.
* *
لقد اعترفت مملكة البحرين وقبلها دولة الإمارات ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية نفسها بإسرائيل، وهو إجراء سيادي خاص بكل دولة ولا يحق للفلسطينيين، أو المتاجرين بالقضية الفلسطينية من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين أن يعترضوا عليه، خاصة وأنه لم يتم التوصل إليه من فراغ، أو من عدم دراية بما سيؤول إليه من نتائج، وإنما تم اتخاذه بعد دراسة وتمحيص وقراءة لسبعين عامًا مضت من التجارب المريرة التي أضعنا خلالها أراضي مصرية وأردنية تم استعادتها من خلال الصلح مع إسرائيل، وبقيت الأراضي السورية المحتلة جزءًا من الدولة الإسرائيلية لعدم إقدام سوريا على التعامل مع إسرائيل بالمثل.
* *
استغرب أن يعترض الفلسطينيون على أي اعتراف عربي، وهم السباقون في الاعتراف بإسرائيل، واستغرب أن يحشر الرئيس التركي أردوغان أنفه بهذا التصالح الإماراتي ثم البحريني مع إسرائيل ويعترض عليه، ودولته تعترف منذ عقود بإسرائيل، ولها تمثيل دبلوماسي معها، وتعاون مفتوح في كل المجالات، واستغرب أكثر من تلك البذاءات ونكران الجميل الذي طغى على تصريحات وردود فعل بعض القادة والمنظمات الفلسطينية إثر اعتراف الإمارات والبحرين بإسرائيل.
* *
ستهدأ العاصفة قريباً، ويعود الفلسطينيون إلى رشدهم، ويقبلوا ويتقبلوا اعتراف الدول العربية بإسرائيل، حتى وإن لم تهدأ حالة المتاجرة بالقضية الفلسطينية لدى البعض من الفلسطينيين والعرب، لكن بعد أن يكون الفلسطينيون قد أفسدوا المزاج العربي - الخليجي تحديدًا - الذين ظلوا الداعم الأكبر ماليًا وسياسيًا للقضية الفلسطينية، ما لا ينكره إلا من يكون على شاكلة من ظهروا في قناة الجزيرة من قادة فلسطين، أو من إعلام عربي وفلسطيني هم عملاء وأجراء لمن يدفع.
* *
هناك دول عربية أخرى يُتوقع أن تحذو حذو الإمارات والبحرين في الاعتراف بإسرائيل، ومثل هذه الاعترافات لا تسقط حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، وليس في بيانات البحرين أو الإمارات ما يشير إلى إسقاط حق الفلسطينيين الثابت في إقامة دولتهم، وإنما هناك دعوة من الدولتين إلى السلام الذي لا يغفل الحق الفلسطيني في أي معادلة مستقبلية لمعالجة أوضاعهم، بل إنه يمهد الطريق لذلك.
* *
باختصار، فإن اعتراف المنامة وأبوظبي بإسرائيل، يعده العقلاء خطوة متقدمة وسليمة في تصحيح مسار التعامل مع الدولة العبرية للوصول إلى ما يلبي شيئاً من الحقوق الفلسطينية التي قد تصبح في طور النسيان إلا من إعلام يتلاعب بمشاعر وحقوق الفلسطينيين.