الرياض - «الجزيرة»:
نظَّمت هيئة الأدب والنشر والترجمة مناظرة أدبية بين الناقد د. عبدالله الغذامي، وأستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود د. راشد العبدالكريم، حول كتاب الغذامي «العقل المؤمن/ العقل الملحد». وأدار المناظرة الإعلامي عبدالعزيز العيد، وذلك ضمن سلسلة اللقاءات الحوارية الافتراضية التي تنظمها الهيئة، وتبثها عبر قناة وزارة الثقافة في موقع يوتيوب.
وأوضح د. عبدالله الغذامي في مستهل اللقاء أن منهجية الكتاب مختلفة عن بقية كتبه السابقة؛ إذ إن العنوان «العقل المؤمن/ العقل الملحد»، والسؤال الرديف للعنوان، أساسي وجوهري «كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد؟». موضحًا المنهجية بقوله: «حددت سبعة علماء في الفيزياء والفلسفة. ووقفت على تجاربهم شريطة أن يكونوا من عصرنا الحالي قدر الإمكان، وأن يكون العالم قد ناقش عالمًا مثله، والفيلسوف حاوره فيلسوف من المستوى نفسه. ومن هنا نمتحن العقل البشري بواسطة عقول كبرى، بينها المؤمن والملحد، قادرة جميعها على الحكم في المسائل الفلسفية المتعلقة بالإيمان والإلحاد، في حين أن الدعوة التي يقدمها الكتاب هي: إن العقل محايد، والعلم محايد؛ بدليل أن العقل نفسه والفلسفة نفسها استُخدما لتبرير الإيمان أو الإلحاد مع أناس متخصصين في العلم والفلسفة محايدين في الأصل، وغير المحايد هو العالم الفاعل، والمقصود به الشخص، وليس العلم كمعرفة».
من جانبه، أشار د. راشد العبدالكريم إلى أن نقده للكتاب ينطلق من نظرية غياب المؤلف، ويتعامل بشكل مجرد مع الكتاب ومع هدفه الرامي إلى تقوية حجج المؤمنين، وإضعاف حجج الملحدين «ولكن الكتاب وصل إلى عكس هذا المقصد؛ فقد أدى إلى تقوية حجج المتشككين». مبديًا أربع ملاحظات على الكتاب، هي: «قبول نظرية التطور جملة، ومن خلال مفهوم العلموية، والتهوين في أمور الشك، وإحالة المتشابه على النظر الفلسفي». مضيفًا بأن منهجيته في الرد كانت عبر نقطتين، تتعلق الأولى بالمعاناة مع المصطلحات، وعدم فهم المعنى المقصود، مثل الشك واستخداماته، وهل كان بمعنى الوسوسة أو البحث؟ والنقطة الثانية عدم مطابقة العنوان للمضمون «لأن الكتاب لا يتطرق إلى الجزء الخاص بالعقل المؤمن، بل إنه يركز على العقل الملحد، وفي الوقت الذي لا يحتاج فيه الإيمان إلى برهان فلسفي؛ لأنه بديهي، ويحدث في القلب».
وبعد استعراض منهجية البحث في تأليف الكتاب، ومنهجية النقد في الملاحظات على الكتاب من طرفَي النقاش، علق د. الغذامي بأن الشك المقصود في الكتاب هو المنهجية العلمية الفرضية متخذًا أسئلة الأطفال نموذجًا لمحاولة الفهم، ومنبهًا إلى الفرق في التعاطي مع حساسية الأسئلة، وقال: «إن الشك موجود لكن من دون التهوين ولا التهويل، مع التشديد على أن التهويل أشد ضررًا من التهوين؛ لذلك نحن بالضرورة نتعامل مع الحقائق العلمية، خاصة أن العلم والحقائق محايدة، ولكن النقاشات مطروحة مع الأفكار». معترضًا على تركيز العبدالكريم على نموذجين في الكتاب، وتجاهل خمسة نماذج، وقال: «الإيمان يحتاج إلى برهان، ليس للمؤمن ولكن للآخرين، مما يفرض قبول المناقشة، والتوجه بالخطاب بوسائل العصر، وهي العلم والفلسفة، وبما يوافق عقلية الجيل الشاب. وهذا مشروعي».
واعترض بدوره د. العبدالكريم على أن يكون الشك افتراضًا إلا في حال كان منهجيًّا، وأن هناك فرقًا بين السؤال والشك «لأن السؤال اختيار ورغبة في الوصول إلى إجابة. أما الشك فهو حالة من الهجوم دون وعي من الإنسان». مضيفًا ملاحظة منهجية ثالثة، هي وجود مغالطة «إما أو»؛ إذ «إما أن نقبل الشك والإلحاد أو نقبل التفكير الفلسفي، مع أن الخيار الصحيح هو الإيمان».
ورد د. الغذامي عليه قائلاً إن كل الكتاب يتمحور من خلال الأسئلة حول الإيمان عبر خطاب علمي فلسفي.
بعد ذلك بدأ الجزء الثاني من اللقاء الافتراضي الذي تركز في الملاحظات بعد استعراض المنهجية.
وقال د. العبدالكريم: «بعد تأمل الملاحظات وجدت إشكالات الكتاب في أنها تعزز من الإلحاد، من خلال أربع قضايا، أولها: الدارونية، وهي نظرية التطور، وأن الكتاب لم يحدد الطريقة التي ينظر بها إلى النظرية والنسخة المفضلة لنعرف موقفه. والقضية الثانية: التفريق بين النظرية والحقيقة العلمية، وهو ما لا يوجد في الكتاب. وثالثها: المغالطات في التعامل مع النظريات. أما الرابعة فهي: مقابل قبول نظرية التطور فرض الكتاب على المؤمنين عبء تفسير الأدلة».
وجاء في رد د. الغذامي أن «ما ورد بخصوص نظرية التطور كان من وجهة نظر (كولنز) بحسب ما أورده في الكتاب، مستعينًا بتفسير الطبري والقرطبي للآية الكريمة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ...}». وأضاف: «أرى أنه يجب ألا نوقع الناس بين خيار الإيمان بالعلم أو القرآن، بل اختيار العلم والقرآن، خاصة أن العلم يقترب إلى القرآن، وأن نظرية التطور بنسخة (كولنز) تتفق مع تفسير الطبري والقرطبي».
وبخصوص الوصول للإيمان من داخل عقول مجموعة من العلماء ناقشوا قضايا الإلحاد، وهو ما يركز ويبحثه الكتاب، يرى د. العبدالكريم أنه «لا يمكن الجمع بين الإيمان بخالق خلق بإرادته ومشيئته وعلمه، ونظرية التطور بالمجمل». وأضاف: «التفكير الفلسفي هو ما يثير الشك، وأن هناك خلطًا بين النظر العقلي والنظر الفلسفي». ليرد د. الغذامي بأن التهوين من الشك ليس خطرًا، ولكن التهويل هو الخطر. والأهم من التهاون والتضخيم هو كيفية التعامل مع الشكوك أو الوساوس، ومناقشة ما يطرح من خلال تحويله إلى سؤال؛ وهو ما يقود إلى التحوُّل، إلى الواقعية في مواجهة الأفكار، وليس معاملة مع الوهم.
وأضاف د. الغذامي بأن الشك حالة تقع، ويجب التعامل معها «أما الشك المنهجي فليس منه ضرر»، وقال: «لو قلنا الشك يعالج بالأسئلة سيكون مقبولاً، لكن لو قلنا إن الشك يعالج بالفلسفة فهنا سيكون مرفوضًا بسبب الربط المشؤوم في الطرح الفلسفي». مختتمًا بفكرة أن كل حالة استدلال عقلي هي فلسفة بالضرورة.
وقد وصف د. العبدالكريم هذه الفكرة بالخاطئة نافيًا أن تكون كل حالة استدلال عقلي فلسفة. وتحدث عن موقف الكاتب من المتشابهات مستعيرًا مقولة تنص على أن «أكثر الفلاسفة ملحدون»، قائلاً: «لاحظت غياب الاستدلال بالإيمان في الكتاب مع أنه كتاب يتعلق بالعقل المؤمن، وأرى أنه يجب الحذر من الشك خاصة الوسواسي». مضيفًا بأن «الفلسفة تثير أسئلة وشكوكًا أكثر مما تجيب. ومع أن العلم محايد بالفعل لكن يجب التنبه لكيفية توجيهه. أما الفلسفة فليست محايدة؛ لأن فيها جانبًا ذاتيًّا». مختتمًا بقوله: «إن الكتاب بمقاربته لهذه القضايا الأربع، وبهذا النمط، تسبب في تقوية حجج الملحدين، وأضعف حجج المؤمنين. وأن الإيمان الذي يتحدث عنه الفلاسفة هو الفطري، ولا أنكر النظر العقلي عند الحاجة لطلب الزيادة واليقين».
ليوضح الغذامي أن النماذج السبعة في الكتاب توزعت بين خمسة من العلماء مؤمنين، واثنين ملحدَين، وأن الإنسان له عقل وإرادة حرة، وهو الذي يسيطر على العلم والفلسفة، وأن العلم ليس ضارًّا، والفلسفة ليست ضارة، ولكن العقل البشري هو الذي يحدد كيف يتعامل معها. وخلص إلى قوله: «إننا في عصر الراسخين في العلم والفلسفة. وإن الخلافات بين المناهج، والعلم والفلسفة، والفِرق الدينية، واردة. وبالمجمل الشك مقبول، وعلاجه ممكن بحسب رغبة الإنسان. وكل شيء يتحدد بطريقة استخدامها وكيفية استغلالها».
الجدير بالذكر أن كتاب «العقل المؤمن/ العقل الملحد» صدر في مارس 2020، ويأتي في 168 صفحة. ويتناول الكتاب - بحسب وصف المؤلف د. الغذامي - سبعة نماذج لعلماء وفلاسفة غربيين، دخلوا في نقاشات مباشرة، تحوي ثراء معرفيًّا، يكشف حال الحجج بين الفريقين.