د.غسان بن محمد عسيلان
قبل أيام أعادت مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية نشر رسوم مسيئة للنبي الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم-، وبالطبع لقي ذلك الصنيع استياء المسلمين حول العالم، وقوبل بعاصفة من الرفض والنقد في مختلف الصحف ووسائل الإعلام في الدول العربية والإسلامية؛ لأن إعادة نشر تلك الرسوم المسيئة دليلٌ على الاستهانة والاستخفاف بمشاعر المسلمين، وعدم الحرص على احترام مقدساتهم الدينية.
والمثير للريبة أن إعادة نشرتلك الرسوم سيئة السمعة تأتي بعد أيام من إقدام متطرف في مدينة (مالمو) السويدية على إحراق نسخة من القرآن الكريم، الأمر الذي يؤكد أن هناك أصابع خفية توجِّه مثل هذه الأعمال الخبيثة في محاولة لاستفزاز المسلمين، وإثارة حفيظتهم، والتحرش بهم وبمعتقداتهم، ولا يمكن فهم إصرار هذه المجلة!! على مواصلة هذا الاستفزاز إلا إذا كان ذلك يأتي في سياق التحريض على المسلمين، وبث خطاب الكراهية ضدهم وضد دينهم وعقيدتهم!!
والمؤسف حقًا أن تصدر تصريحات غريبة وغير مسؤولة من عدد من الساسة وكبار الموظفين في عدة دول أوربية تؤيدُ ما فعلته المجلة وتعدُّه من قبيل حرية التعبير، والحق أن هذا الصنيع لا صلة له البتة بحرية التعبير، بل هو نشرٌ للكراهية، وحثٌّ على التمييز، وتحريضٌ على العنف، وتأييدٌ أعمى للتشهير والإهانة!!
ولعل أبلغ رد على ما نشرته هذه المجلة المشبوهة هو ما جاء في كلام فضيلة شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، حيث قال: «إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أغلى علينا من أنفسنا، والإساءةُ له ليست حريةَ رأيٍ، بل هي دعوةٌ صريحة للكراهية والعنف، وانفلاتٌ من كلِّ القيم الإنسانية والحضارية، وتبريرُ ذلك بدعوى حماية حرية التعبير هو فهمٌ قاصرٌ للفرق بين الحق الإنساني في الحرية، والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات».
والسؤال المنطقي الذي يدور في أذهان المسلمين جميعًا الآن هو: ما السر وراء إصرار بعض المنابر الصحفية الغربية على مواصلة استفزاز مشاعر المسلمين بهذه الصورة؟! ولماذا تتعرض الرموز الإسلامية فقط إلى الإساءة المتعمدة بين الفينة والأخرى؟! وأين التسامح، وقبول الآخر، وقبول التعددية الثقافية، واحترام المعتقدات الدينية لجميع البشر؟! ثم ألا يؤدي تعمُّد الإساءة إلى عقيدة المسلمين وتكرارُ ذلك والتمادي فيه إلى تأجيج مشاعر الغضب وسكب الزيت على النار؟!!
إن الحقيقة التي يفهمها كثير من المسلمين الآن هي أن تمادي الصحف الغربية في ممارساتها العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، والإساءة المتكررة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- باسم الحرية وغيرها هي تعدٍّ سافر على معتقداتهم الدينية، وتحريضٌ عليهم، وحضٌّ على كراهيتهم؛ فحريةُ التعبير ليست مفهومًا مطلقًا، ولاسيما وأن تلك الرسوم المسيئة للرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- فيها إهانة بالغة، وتحدٍّ صارخ لمشاعر المسلمين، وتأتي في سياق السخرية منهم، والتحريض عليهم، والإرهاب الثقافي والفكري لهم، والادعاء بأن نشر تلك الرسوم المسيئة يدخل في باب حرية التعبير هو مجرد ادِّعاءٍ واهٍ وزعمٍ كاذبٍ وراءَه غرضٌ خبيث ودنيء!! فلا مجال لإقحام الرموز الدينية في قضايا خلافية بين البشر أيًّا كان نوعُها أو أطرافها، ثم إنَّ النيلَ من المقدسات والمعتقدات الدينية بهذا الشكل الفاضح لن يؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الحقد والكراهية، وإشعال فتيل العنصرية البغيضة والتعصب الأعمى باسم حرية التعبير!!
لقد أكَّد موقفُ المملكة العربية السعودية الرصين حكمتَها العميقة، وبُعدَ نظرها، ورؤيتَها الثاقبة؛ فقد رفضت بشكلٍ قاطع منذ وقتٍ مبكر مثل هذه الأعمال البعيدة كل البعد عن حرية التعبير، وحذَّرت من بث الحقد، وتغذية بذور الكراهية والعنصرية والتمييز، ودعت البشرية جمعاء إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق التضامن والتسامح وقبول الآخر واحترام التنوع الثقافي والديني والعرقي وتعزيز الحوار على كافة المستويات، ومنهج المملكة العربية السعودية الوسطي المعتدل يكمن دائمًا في التمسُّك بأخلاق الإسلام العظيمة، والتحلي بضبط النفس، والتصدي لخطاب الكراهية، وتعزيز احترام التنوع، وتجنُّب إثارة الحساسيات الدينية، ولا شك أن البشرية كلها الآن في مسيس الحاجة لمكافحة كل أشكال التعصب الديني، وضبط حرية التعبير؛ حتى لا تتحوَّل إلى قولبة نمطية مقيتَة تحرِّضُ على الكراهية وانتهاك حقوق الآخرين.