د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
صدحتْ منابر لغتنا العربية الخالدة وكل من له انتماء لها ثناءً وشكراً عندما صدر قرار مجلس الوزراء الموقر في مطلع هذا الشهر بإنشاء مَجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية، والمَجْمع إحدى المبادرات الإستراتيجية لوزارة الثقافة ضمن توجهها الملحوظ نحو استجلاء متطلبات رؤية بلادنا العملاقة 2030، واستهدفتْ وزارة الثقافة في مجمل رؤيتها تعزيز دور اللغة العربية إقليمياً وعالمياً، وفي عموم القرار الموقر ما يزيد الاستعمال اللغوي سدادا، وجديرة بلادنا بمَجْمع لغوي عالمي يتوشحه اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فهي لغة ما يقرب من أربعمائة مليون من العرب؛ ويتعبد بها أكثر من مليار مسلم؛ ونزل بها كتاب سماوي هو القرآن الكريم ووسعته لفظاً وغاية! كما اتسعت اللغة العربية للتشريع الإسلامي أصوله وفروعه، وتحوي اللغة العربية معملاً ذاتياً من الخصوبة والمرونة والاشتقاق والتضاد والترادف والنحت والاستعارات والكنايات والمجازات والقياس وكثيراً من البوابات المرنة المنقادة بما يجعلها تتسع لكل جديد وتستقبل كل وافد في مجاليّ التعريب والترجمة؛ فهي لغة مدنية وحضارة حملتْ إلى العالم من تراث الإنسانية أجله وأكمله، وأحلتْ العرب الصدارة بين الأمم وكانوا معلمين وروادا!
وكانت فكرة المَجْمَع مما توارد في مستراد ثقافتنا الحيّ منذ عهود، وما فتئت قيادتنا توليه اهتماماً؛ وتضخ فيه من الممكنات ما يُجلِّي حضوره..
وأجزم أن هناك تخطيطاً للمَجْمع وسيره ومسيره يتم في وزارة الثقافة الوليدة ذات الأوتاد، ونأمل أن يكون في تنظيم المَجْمع وخططه التنفيذية ما يحقق الاهتمام بالمعطيات النصية الواردة في كلام العرب في عهود اللغويين القدماء مما سوف يثري المحتوى المعجمي العربي باستحداث كثير من المعاجم في المجالات كافة، وحبذا أن تتضمن إستراتيجية المحتوى في المَجْمع تأسيساً على عالميته مشروعاً سعودياً يُبثُّ للعالم يتضمن ذخيرة لغوية على أن تعتبر بنك نصوص وليست بنك مفردات تمثل الاستعمال الحقيقي للغة العربية في السياقات المختلفة، وليست نصوصها من صنع المؤلفين في الزمن الحالي؛ بل نصوص من اللغة الفصحى الحيّة المحررة والمنطوقة منذ قرون وعقود؛ وتخزّن تلك النصوص في الذاكرة الرقمية كحصيلة منتقاة من الاستعمال اللغوي العربي منذ 15 قرناً في أروع صوره؛ والحال الآن يلزمه الاهتمام باللغة الفصحى المشتركة بجمع المشترك من معجم الألفاظ العامية المعربة ذات الأصول العربية؛ وتأسيساً على عالمية المجْمع فمن المؤمل وضع معجم للعامي الفصيح المشترك في الدول العربية حتى تتواشج العلاقات وتزدهر بلغة مشتركة، ومحلياً نحتاج إلى التفاتة ذكية لإثراء المحتوى العربي السعودي الرقمي أمام أجيالنا على مقاعد الدراسة؛ وتصويب المنتج القرائي بوجدان محب ودود؛ والاهتمام بالتأليف الرصين في المقررات التدريسية، وعلى المستوى البيئي تطل علينا حزمة واسعة من الأعلام الجغرافية التي تنتشر على رقعة بلادنا الغالية، فكم نحتاج إلى ضبط أسمائها وتوحيد اللغة المحكية حولها ونسعد والمجْمع يُستحدثُ في بلادنا أن يكون شريكاً للمجامع اللغوية العربية ومحفزاً لأدوارها في مجتمعاتها، حيث كان روادنا الأوائل أعضاء فيها أمثال حمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وحسن عبدالله القرشي -رحمهم الله جميعاً-؛ وأن تتواشج منصاتنا الوطنية المنشأة للشأن اللغوي وخدمته مع المَجْمع لتمتين الجهود واتساق المرجعيات بما يحقق الأهداف العميقة، وبما يتواكب مع نهضتنا وحضارتنا الحديثة لإيجاد المصطلحات والمسميات المناسبة لكل منتج حضاري سعودي حديث.
وفي العمق فسيكون مَجْمع الملك سلمان -بإذن الله- استفاضة زمانية لواقع اللغة العربية المُلحّ الآن، واستفاضة مكانية حيث بلادنا قبلة المسلمين ومهبط الوحي الذي نزل بلسان عربي مبين، وبتوفيق الله ثم بالجهود الجلية والحراك المليء الذي تتبناه وزارة الثقافة والدعم السخي من قيادتنا الرشيدة سيكون المَجْمع باحثاً أميناً في أعماق الواقع التعبيري الفكري للغة العربية.