حمّاد السالمي
* لعل من أهم الكتب والمدونات التي نحتاجها اليوم وغدًا؛ كتب الذكريات والمذكرات لعدد كبير من رجالات الدولة في مختلف الميادين. أولئك الذين تسنموا وقادوا وزارات ومؤسسات، وكانوا الأقرب إلى ملوك الدولة. إن ما مرت به بلادنا من تحولات تنموية، وتحديات إقليمية ودولية منذ تأسيسها حتى اليوم؛ حري بأن يُدون ويُكتب بكل شفافية، ليعرف هذا الجيل والأجيال من بعده؛ كم كانت بلادهم محظوظة بعدد كبير من أبنائها المخلصين، من القيادات السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية والإعلامية، التي استلهمت حكمة المؤسس (الملك عبد العزيز آل سعود) رحمه الله، فراحت تشيد وتبني وتحمي، وتنافح وتكافح، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من أمن وأمان بكيان كبير عظيم مهاب الجانب.
* أتحدث اليوم ونحن على أعتاب مناسبة وطنية جليلة، هي الاحتفال باليوم الوطني للمملكة، الذي يحل بعد أيام قلائل، وبعد أن فرغت من كتاب قيّم يندرج في قائمة ما نحتاجه من تدوين لتاريخ بلادنا، حتى وإن جاء في قالب السيرة الذاتية، ذلك أن كُتّاب السيرة من القياديين المؤثرين؛ لا يكتبون عن أنفسهم ولأنفسهم، بقدر ما يعكسون صورة لمرحلة كانوا هم ضمن واقعها الذي تغيب تفاصيله عن كثير منا. فرغت من كتاب لمعالي الشيخ (عبد الله العلي النعيم.. أبو علي) بعنوان: (بتوقيعي.. حكايات من بقايا السيرة)، فهو سبق وأن نشر قبل عشرين عامًا كتابًا سماه: (الإدارة بالإرادة) في 430 صفحة، وجاءت بقاياه سيرة أخرى مكملة في غاية الأهمية والكمال.
* قابلت معالي الشيخ عبد الله النعيم -أمد الله في عمره- عدة مرات في مناسبات عامة، واستضافني ذات شتاء بدعوة خاصة في (مركز الأمير سلمان الاجتماعي)، فكتبت ما لاحظت وشاهدت من جهود جبارة في المركز، كما أنه استضافني مرة أخرى في احتفالية لـ(الجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة)، وذات غضبة من المواطنين على شركة الغاز -يوم كان الشيخ النعيم في رئاسة مجلس إدارتها- كتبت ونشرت مقالًا بهذه الصحيفة بعنوان: (كشف الألغاز.. عن جوانب من العلاقة بين المستهلك وشركة الغاز)، فجاء رد الشيخ النعيم مهاتفة أولًا، ثم كتابة للجريدة، موضحًا وشارحًا بلغة المسؤول المدرك، الذي لا يهمل صغيرة ولا كبيرة، والذي يحترم عمله، ويقدر المواطنين على كافة مستوياتهم.
* جاءني كتاب: (بتوقيعي.. حكايات من بقايا السيرة) بيد (نجّاب) إلى الطائف؛ مرسلًا من قبل الشيخ النعيم، الذي لم يكتف بهذا؛ بل هاتفني ليطمئن على استلام الهدية الثمينة. إن خير الهدايا الكتب. قال هذا من سبقنا من الأدباء، وسوف نردد هذا لكي تبقى المقولة لمن يأتي بعدنا. بعد الإهداء الشخصي اللطيف من الموقّع، وقفت على إهداء الكتاب للوطن وقادته وأجيال الوطن منذ (التأسيس حتى المأسسة)، ولم ينس إسداء الشكر لكل من عاون وساعد في هذا المنجز، الذي يعكس جوانب مهمة من حياة الشيخ النعيم الخاصة والعملية.
* ابن عنيزة الذي أخذ تعليمه الأول في الكتاتيب، ثم في فصول مدرسية متقطعة؛ ما لبث أن أصبح معلمًا في أكثر من كُتّاب، ثم في فصول مدرسية، ثم يتنقل بين العمل والدراسات العليا، فتحول شركة الغاز بينه وبين نيل الدكتوراه. إلى أن ينال دكتوراه فخرية مستحقة من جامعة (السوربون الفرنسية). وبين شركة الغاز وأمانة الرياض؛ هناك محطات بنائية فريدة، لرجل كان يعمل ليل نهار للمساهمة في تنفيذ خطط التنمية الطموحة التي شهدتها المملكة. ومن هذه الخطط اللافتة حقيقة؛ قصة التطوير في العاصمة الرياض، حيث استفاد مهندسها الأول الشيخ النعيم؛ من عزم وحزم وتوجيه أميرها في ذلك الوقت (الملك سلمان بن عبدالعزيز)، ليتحقق ما كان حلمًا في يوم من الأيام. ومثل ما أظهر النعيم (إرادته في إدارته) في تنظيم وتطوير الرياض؛ فعل ذلك في شركة الغاز، التي تحولت في عهده إلى واقع آخر، وتخطت ما كان يواجهها من عقبات.
* لفت نظري في هذه السردية الممتعة للشيخ النعيم في توقيعه الأخير؛ حرصه أيام عمله في أمانة الرياض وشركة الغاز؛ على وضع كبار المسؤولين في الصورة، والاستعانة بهم في السير قدمًا بخطط التطوير رغم كل الصعاب والتحديات، وأنه لم يغمط أي أحد حقه ممن سبقه في العمل، أو عمل معه وقتها، فأثنى وشكر على الكل بأسمائهم وألقابهم.
كما أن له أدوارًا تطوعية وطنية بناءة خارج وظيفته الرسمية، منها إنشاء (مركز الأمير سلمان الاجتماعي)، وسبق أن تطوع لتدريس طلابه، فأنشأ مع زملائه أول مدرسة لمحو الأمية في عنيزة، وأسهم في إقامة ناد ثقافي في عنيزة هو الأول من نوعه في المملكة، وإنشاء مكتبة الملك فهد الأهلية ثم الوطنية. يضاف إلى ذلك؛ دوره في إنشاء المركز السعودي لتأهيل وتدريب الكفيفات بالأردن، ومركز الأميرة نورة الاجتماعي، ومركز صالح بن صالح والجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة.
* هذا قليل من كثير من ذكريات ومذكرات، هي سيرة حياتية وعملية لمواطن خرج من عنيزة ذات يوم؛ محملًا بطموحات عظام، للمساهمة في بناء وطنه، وإسعاد مواطنيه، فلم يترجل إلا وقد حفر اسمه على ثرى وطنه وقلوب مواطنيه. يا له من عزم، ويا لها من عزيمة، في رجل كبير (بنّاء) اسمه: (عبد الله العلي النعيم):
على قدر أهلِ العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارِم