لم تكن للإنسان حاجة إلى الأسوار عندما كان مستهلكاً غير منتج لأنه لم يكن يملك شيئاً يخشى عليه من الانتزاع فالكل سواسية في تلك العصور؛ صيداً في البر، وجنياً من الثمار والأشجار وأوراقها. أمضى الإنسان ملايين السنين على هذه الحال. ولكن التغيرات البيئية، وازدياد أعداد الإنسان، وجفاف مصادر المياه الصالحة للاستخدام وصلت إلى مستوى أجبر الإنسان معه على أن يتحول من مستهلك إلى منتج. فالأرض التي كانت تجود عليه بالنبات والحيوان لم تعد ذات الأرض، والبحيرات والأنهار والجداول المائية التي كانت ترد عليها قطعان الماشية نشت ونشفت. وتحت وطأة تلك التغيّرات، أصبح على الإنسان أن يوجد لنفسه ما كان يوجد في الطبيعة تلقائياً، فتحتم عليه أن يوجد مصادر للماء، وأن يستأنس الحيوان وينميه، وأن يزرع ما يقتات عليه من حبوب وخلافه. فهذا وذاك حتماً عليه الإقامة في أماكن دائمة، ومن هنا بدأت تظهر الملكيات الفردية، ومن ثم تلتها الملكيات الجماعية؛ وأصبح لدى الإنسان ما يقاتل لأجله، فدائماً يقاتل الإنسان لحماية نفسه وأهله وممتلكاته وسيادته. لذا، فكر الإنسان مع ظهور البلدات الصغيرة بتشييد الأسوار لتحقق له أهدافاً عديدة منها:
1- حماية ممتلكات الإنسان، وجعله دائماً بحالة أمنة عليها بتوفيرها عنصر واقي يحميه من المباغتة، فالمباغتة في أغلب الأحوال مميتة ومدمرة. كانت الأسوار الخيار الوحيد؛ فشيدها بضخامة ملحوظة، وارتفاع شاهق، وأبراج متعددة تنتظم على جدرانها وعند أركانها.
2- كسر حدة هجوم المعتدي، الأسوار عادة ما تزود بأبراج للدفاع، ففي حال حدوث هجوم تنكسر عدوانية المهاجم عند الأسوار، ويشاغله مقاتلي الأبراج معرضيه للخطر، بينما هم في حماية الأسوار. وبهذا تبدأ عزيمة المهاجم تضعف وتخور قواه. تحت وطأة كتلك قد يُفضل المهاجم الانسحاب على مواصلة الحصار. وتوجد العديد من القصص التي سجلها التاريخ بهذا الخصوص.
3- توفير الحماية للممتلكات ليلاً من لصوص الليل وحائفي المنازل. فإذا حلّ الليل أصبح جميع ما يملك المستوطن داخل الأسوار، فلا يستطيع اللصوص أن ينالوا شيئاً من ممتلكاته: الحيوانية، والغذائية، وسواها.
4- تساعد الأسوار في تحديد مصدر السرقة، إذ إنه بإغلاق أبواب السور ليلاً يكون معلوماً للجميع أن جميع من يوجد داخل البلدة هم من أهلها، فإن حدثت سرقة فلا بد أن يكون من قام بها فرد من أفرادها، فيصبح من اليسير أن يحدد السارق.
5- توفير الحماية المؤقتة للبلدة في حالة تعرضها للهجوم خلال وجود مقاتليها خارجها في غزوة أو سفر، إذ يمكن للصغير والمرأة والمسن أن يقاتلوا من خلف الأسوار، ويشاغلوا المهاجمين بقذف النشاب أو الحجارة أو الكرات الحارقة أو الزيت المغلي على من يقترب من سور البلدة؛ وبهذا يستطيعوا بمساعدة الأسوار تأخير اجتياح البلدة حتى حضور نجدة من البلدات القريبة، أو عودة مقاتليهم إليهم، أو نفاذ قوت المهاجمين وإجبارهم على الانسحاب.
6- يمثل وجود الأسوار قوة معنوية، لمحاربي البلدة التي تمتلك الأسوار، إذ إنه في حالة الهجوم وانهزامهم يكون في ذهنهم وجود حامي لهم متمثلاً في أسوار البلدة، فبدخولهم إليها وإغلاقهم أبوابها يكونوا أمنين إذ لا يمكن للمهاجمين أن يدخلوا سور البلدة ويصبحوا بين سكانها، ولذا مثلت الأسوار تغذية معنوية لمقاتلي البلدة ذات الأسوار.
7- توفر الأسوار حماية للبلدات ليس فقط من العنصر البشري بل حتى من القوى الطبيعية مثل اجتياح السيول والعواصف وما شابه ذلك، فعادة تقام البلدات على حواف الأودية وفي حال جريانها قد تفيض وتغرق ما حولها. لذا تساعد الأسوار في صرف السيول عن البلدات.
** **
- د. عبدالعزيز بن سعود الغزي