روت كتب السنن أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل بعض حاجته، فسأله: «أما في بيتك شيء؟» فقال: بلى؛ بساط نبسطه، وإناء نشرب فيه. فأمره بأن يجيء بهما، فباعهما بدرهمين، وأمره بأن يشتري بأحدهما طعامًا لأهله، وبالآخر فأسًا، وقال له: «اذهب واحتطب». فرجع الرجل بعدها وقد أصاب عشرة دراهم.
إن هذا التصرف النبوي الحكيم هو بمنزلة درس حي لكل شاب، يحثهم على أن يبحثوا عن رزقهم في فجاج الأرض. لقد جاء الرجل (يشحذ) الدرهم والدرهمين، فإذا به صار يمتلك الكثير من عرق جبينه! إن العمل هو الثمن الذي يجب أن يدفعه كل منا مقابل الحصول على المال.
ولقد مررتُ شخصيًّا بهذه التجربة، ووجدت بركتها - ولله الحمد والمنة -، فكنت أعمل قديمًا، وأنا طالب في الجامعة، إبان الإجازة في موسم الحج، سائقًا للحافلات، ومطوفًا للحجاج، ومرشدًا لضيوف الرحمن، ومشرفًا على إسكان الحجاج، وفي بيع وشراء الأضاحي، فأرجع بنحو أكثر من ستين ألفًا من الريالات، كانت في ذلك الوقت ذات شأن عظيم؛ إذ لم تكن مكافأة الطالب الجامعي وقتها تتجاوز 350 ريالاً شهريًّا، أي بما مجموعه 4200 ريال سنويًّا.
ليس القصد من رواية هذه التجربة الشخصية دعوة الشباب إلى أن يعملوا الأعمال ذاتها، أو يمارسوا المهمات نفسها، ولكن القصد هو إلى المعنى الكامن في هذا التفاعل المكي مع شكل الواقع الاقتصادي المتجدد سنويًّا؛ فكل مجتمع له طبيعته وطريقته في التعامل، وبيئته، وفرصه الاقتصادية المختلفة التي كثيرًا ما نتركها للآخرين للاستفادة منها مع الأسف!
قال الأديب الفرنسي الشهير (فلتير): «العمل يبعد عن الإنسان ثلاثة شرور: السأم والرذيلة والحاجة».