الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، لقد تكلمنا في الحلقة السابقة عن اشتراط الإسلام الولي في إتمام عقد زواج المرأة المسلمة بعد التأكد من حال الخاطب وصلاحيته وسلامته من الآفات، حماية لحياة المرأة النفسية، من الأضرار والمنغصات لها، لأنها قد تسافر مع الزوج وتكون بعيدةً عن أسرتها، وبعض الأزواج قد يكيل بها ضرراً، للأسف.
ونقول في هذا المقال:
اتفق أئمة المذاهب الفقهية، اشتراط الولي الشرعي في نكاح المرأة، ممن هو أقرب الناس للمرأة المسلمة خصوصاً من العصبة في عقد النكاح لها، للتأكد من صلاح الخاطب وسلامته من الآفات العقلية، والأخلاقية، لقوله عليه السلام، للولي، إذا أتاك ممن ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادا كبيرا، ويقول أيضاً عليه السلام، لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، أي لا نكاح صحيح إلا بالشروط المذكورة، حماية للمرأة في حياتها الزوجية من المصائب التي قد تعترض لها من ضعاف النفوس التي لا تعرف عنهم شيئا، مما هو خطاب لولي المرأة، من أبيها ثم جدها ثم ابنها إن وجد ثم أشقائها ثم عمها ثم ابن عمها ثم القاضي الشرعي لمن لا ولي لها، وذلك للتأكد والاستفسار عن حقيقة الخاطب ومتابعته حال خطبته لابنتهم للتأكد من أحواله العقلية والنفسية، حمايةً للمرأة من أذاه عليها وعليهم، وخصوصاً لدفع وإبعاد من كثر شره وانحرافه في الوقت الحاضر، وأصبح الغالب منهم من مجهولي الحال، من بعض مرتكبي الإجرام من متعاطي ومروجي المخدرات والمسكرات، والمصابين بالأمراض النفسية المزمنة، وأهل الفساد وقطّاع الطرق والسرقات الإجرامية ومن غالب حياتهم سفريات لبعض الدول الموبوءة بالانحراف الأخلاقي، وبعضهم ممن سقطت عدالته ومكانته، فأدمن إطلاق النار على ذويه وغيرهم سفاهةً ومن قلة الأدب معهم، ممن لا يكتفى ضرره على المرأة بل يلحق أذاه أهل المرأة، وبعضهم ممن هو كثير إيقاع الطلاق بالنساء اللاتي سبق وأن تزوج بهن ولا تبقى الفتاة معه أكثر من شهور معدودة، ممن تجهل الفتاة حالهم، ولا تعرفهم حال خطبتهم لها، وخشيةً من وقوعها فريسةً لهؤلاء، اشترط الإسلام الولي الرجل القريب للمرأة في إتمام النكاح، وكثيراً ما يظهر بعض الخطّاب، غناه ومكره أمام الفتاة حال خطبتهم لها، وبعضهم يستأجر سيارة فارهةً حال الخطبة يظهرها للفتاة وأهلها ويحضرها معه حال الخطبة لتعجب الفتاة وتقبل به، والحقيقة أنه لا يملك أرخص سيارة وتظهر حقيقته بعد البحث من الأولياء الشرعيين للفتاة عنه، ويخبرون الفتاة عنه، فتعرض عنه وتحمد ربها بعدم الارتباط به، وإن أصرت على قبوله فتمنع منه، حماية لحياتها منه، وحماية لذويها من أخطاره بعد ارتباطهم بالفتاة وكونهم أحد أفراد العائلة بعد الزواج، ومن محاسن مكانة وتفعيل الولي الشرعي في النكاح، إغلاق الطرق على الفتيات المنحرفات والنساء اللاتي يرتبطن بعلاقاتمنحرفة، مع عدة رجال أو فتيان، ويربطن علاقات جنسية منحرفة، بغيرهن من الرجال الفاسدين المنحرفين، وإذا ما كشف حالهن، عقدن الزواج من أنفسهن بهم مباشرة ظاهرياً للتغطية على انحرافهن، وقد أخبرني بعض الثقاة، أنه يوجد في جمهورية مصر العربية وخصوصاً في القاهرة، أن بعض النساء يعقدن الزواج لأنفسهن مباشرة، حيث يجيز القانون المصري بذلك، ويدّعين أنهن يطبقّن المذهب الحنفي في الزواج، وذلك مع عدة رجال خصوصاً ممن يقدم من الخليج لحصول أموال ولتأمين شقق عقارية لهن سواءً بالتمليك أو الأجار ويقمن بتأجيرها على الغير واستلام الأجار بأنفسهن مع أنهن شافعيات المذهب في كامل الديانة، وقد قال أحد العلماء رحمه الله، من تتبع الرخص فقد تزندق، وذلك لمن يتتبع الرخص في المذاهب الفقهية، وغالب الأزواج لا يعلم بذلك، ويرى أنه الزوج الوحيد لهن.
ومن محاسن الولي الشرعي للمرأة في الزواج، أنه لا يرضى بهذه المفاسد لبناته ونسائه، إطلاقاً، ومن كان لها زوج شرعي فلن تستطيع الارتباط بغير زوجها إطلاقاً، وإذا تم خطبتها من وليها مباشرة يتم الإخبار والإعلام منه أنها بذمة زوج، ويقضى على مسالك الانحراف، والاستهجان الانحرافي وخصوصاً رغبة المرأة الحصول على الأموال بطرق غير مشروعة باسم عقد الزواج، وقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهم بإسنادٍ صحيحٍ متصل عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي». وقد صححه الإمام البخاري، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والذّهلي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم رحمهم الله. وذكر البعض بأنه على شرط البخاري ومسلم.
وقد أسرف بعض فقهاء الحنفية المتأخرين في تضعيف هذا الحديث بالإرسال، رغم أن إمامهم أبا حنيفة قد رواه موصولاً عن أبي إسحاق. وقد احتج به صاحبه محمد بن الحسن الشيباني، ولم نجد أحداً من متقدميهم ضعفه. على أن متأخريهم يزعمون أن الحديث المرسل حجة عندهم. فهو حجة عندهم كيفما روي. ولو خرج فقهاء الحنفية ورأوا وعلموا ما وصلت إليه المفاسد بسبب قولهم من الانحراف وأكل الأموال بالباطل والتحايل على الأزواج، لرجعوا عن قولهم، وثبتوا على اشتراط الولي الشرعي في النكاح، درءًا للمفاسد التي تقع بذلك.
وقد روى ابن جريج عن سليمان بن موسى الأموي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل. ثلاث مرات. فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها. فإن تشاجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له». سليمان بن موسى: وثقه بعضهم، ووثقها بن معين عن الزهري.
مسألة مطالبة الزوج الزوجة أو أحد أوليائها، إعادة المهر الذي دفعه لهم، بعد الدخول وإقامة الزواج عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا والله ما أعتب على ثابت دينا ولا خلقا ولكن أكره الكفر في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتردين إليه حديقته قالت نعم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا فأخذ حديقته وفارقها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي.
فالبعض من الأزواج للأسف، يطالب الزوجة أو أحد أوليائها، إعادة المهر الذي دفعه لهم، بعد طلاقه للزوجة، وبعضهم يطالب في المحاكم إعادة المهر، وبعض القضاة، يحكم على الزوجة إعادة المهر للزوج جهلاً بالحديث، وهذا مخالفة شرعية، فليس للزوج المطالبة بإعادة المهر الذي دفعه للزوجة إطلاقاً، للأدلة التالية:
يقول تعالى (وإن آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا).
فنهى الله سبحانه الأزواج عن استرداد المهر الشرعي بعد الدخول بالزوجة، فلو كان المهر قنطاراً، أي جبل من ذهب، فلا يحق المطالبة باسترجاعه.
وما ورد في حديث امرأة ثابت بن قيس، فالرسول عليه السلام لم يحكم ويلزم بإعادة المهر، وإنما شاور الزوجة على إعادة الحديقة، التي دفعها زوجها لها كمهر، فوافقت على ذلك، مع علمه عليه السلام بوجود المهر وهو الحديقة، التي لم تستهلك، وأن الحديقة لا زالت لم يتصرف بها، ومن يستدل أن الرسول حكم وألزم إعادة الحديقة، لا صحة له إطلاقاً، فقد شاور عليه السلام المرأة مشاورة بقوله، أتردين عليه حديقته، معلمه بوجود الحديقة لم تزل لم يتصرف بها، بخلاف المهر الذي تم التصرف به من قبل الزوجة، وقد تلزم الزوجة من بعض القضاة إعادته، جهلاً بالحديث والخطاب الذي صدر به، وهذا مخالفة شرعية لما ورد في الآية القرآنية السابق ذكرها، وفي حالة الخطأ، الحكم إعادة المهر للزوج، يلتزم بعض الآباء ويتقدم لأحد البنوك بأخذ قرض مالي لتسليم المهر للزوج لخلاص ابنته منه، مع مخالفة الحكم للشريعة، وهذا غير جائز شرعاً وقضاءً، ولو حصل خلع بين الزوجين فلا تلزم الزوجة بإعادة المهر الذي استلمته من الزوج، بل يكون صلحاً بينهما فيما يتفقان عليه، بعد أخذ المرأة حقوقها من النفقة والكسوة والسكنى على حسب حالها، وإن لم تأخذ حقوقها المذكورة، فيكون ثبوت الخلع تنازلها عن المطالبة بالحقوق الشرعية برضاها بذلك، هذا إذا لم يكن الزوج قد لحق ضرره وأذاه، بالزوجة، أو كان من أصحاب المخدرات والمسكرات أو من أصحاب العلاقات المريبة، أو ممن يعتدي على المرأة بالضرب والإهانة، ففي هذا تطلّق الزوجة منه بعد ثبوت الضرر، والسوابق الجنائية.
ويطلب القاضي من الزوج الطلاق فإن رفض وأصر على ذلك، فيصدر القاضي الحكم بالطلاق، ولا يجرى الخلع بينهما لأنه ظلم للزوجة بما تدفعه للزوج، ويعتبر ظلما وتعزيرا بحقها، والظلم ظلمات يوم القيامة، وكان على وزارة العدل مخاطبة المحاكم على تنبيه القضاة خصوصاً المبتدئين بالقضاء، بعدم الاستجابة للأزواج إعادة المهر من الزوجة أو قريبها بعد الدخول بها، والتأكد من حال الزوج في صلاحه واستقامته بعد مطالبة الزوجة الفراق منه، وإذا ثبت إضراره بالزوجة فيتم فسخها منه، مع تأديبه، تحقيقاً للمصلحة العامة.
نسأل الله التوفيق والسداد..
** **
عبدالله بن عبدالرحمن الدويش - قاضي استئناف/ سابقاً