أ.د.محمد بن حسن الزير
يأتي تأسيس المملكة العربية السعودية لـ(مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية) الذي صدر به قرار مجلس الوزراء، برئاسة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، بتاريخ 13-1-1442هـ، في إطار تعبيرها العملي عن طبيعتها الحقيقية، التي تأسست عليها الدولة السعودية؛ فهي دولة ذات مسؤولية ممتدة، تقوم على أساس منهجي لرسالة القرآن الكريم، وسنة نبيه الكريم، الموجهة بطبيعتها للإنسانية والعالم، دون تمييز.
ولا شك في أن تنفيذ هذا (المَجْمَع اللغوي العالمي) بتوجهاته المتنوعة إلى آفاق أرحب في العمل التفاعلي التواصلي مع الآخر، يمثِّل مظهراً حيوياً لاستخدام قوة اللغة العربية الناعمة، التي هي، في تأثيرها ونفاذها ونفوذها، الأقوى من أي قوة صلبة، وإنه لخطوة عظيمة، تستحق الترحيب والإشادة، وأن تُعلّق عليها الآمال الكبيرة؛ وقد بثت، وزارة الثقافة الموقرة، بوصفها الجهة التنفيذية التي تمثل حكومة المملكة، تغريدة عن المَجْمَع؛ بينت فيها تفصيلاً عن المجمع جاء فيه « تأسيس (مَجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية) ليكون مجمعاً عالمياً يُعْنَى (بتعزيز حضور اللغة العربية) وإبراز مكانتها، وإثراء (المحتوى العربي في مختلف المجالات).
وجاء فيها أيضاً: «يسعى المَجْمع إلى أن يصبح (مرجعية عالمية) في مجالات اللغة العربية وتطبيقاتها من خلال؛ نشر الأبحاث والكتب المتخصصة باللغة العربية، الاختبارات والمعايير في اللغة العربية، الذكاء الاصطناعي في اللغة العربية، المعارض والمؤتمرات، المدونات والمعاجم، (مراكز تعليم اللغة العربية)، حملات إعلامية لتعزيز قيمة اللغة العربية، ودعم (إثراء المحتوى العربي). المستهدفون: المتخصصون باللغة العربية، العاملون في مجالات السياسة والتقنية والتعليم وإنتاج المحتوى وغيرها، المختصون والمتعلمون للغة العربية من غير أبنائها».
والواقع أن هذه المجالات والميادين التي سيخوض غمارها المجمع مجالات حيوية عظيمة؛ فيها تنوّع وشمول، تبعث على الأمل والارتياح لدى كل محب لهذه اللغة العربية المتميزة، ولرسالتها الثقافية الإنسانية العالمية، ولدى كل منتمٍ لهذه اللغة وثقافتها، وغيورٍ على تأدية مهمتها وتحقيق أثرها في حياة الجميع؛ من مواطنين وغيرهم من أفراد الأمة وسواهم من كل شعوب العالم وأفرادها؛ من سكان هذه المعمورة التي جعلها الله وطنا لهم، وجعلهم فيها شعوبا وقبائل ليتعارفوا.
إن الجميع وهم يستقبلون هذا المجمع المهم بكل حفاوة وفرح ليتطلعون إلى نهوض هذا المجمع العظيم بتحقيق أهدافه ورسالته، وبالأخص في المجالات التالية:
1 - التركيز المباشر على دراسة مشكلات اللغة العربية، واحتياجاتها في المملكة العربية السعودية، وفي البلدان العربية، وخصوصاً في مجال تعليمها، ومناهجه، وطرقه، وتطبيقاته، وتقديم الحلول العملية الناجحة، والعمل على تنفيذها.
2 - تقديم خطط عملية لتمكين اللغة العربية من التأثير الإيجابي في حياة أهلها، وحياة متعلميها، ومدافعة عوامل الاستلاب التي تستهدف وجودها في حياة أهلها، وتأثيرها في واقع حياتهم.
3 - صياغة برامج ومناهج لتعليم اللغة (للناطقين بغيرها)، وينتج منها نسختين (نوعيتين) مختلتين؛ وذلك على النحو الآتي:
أ - البرنامج الأول: برنامج تعليمي بمناهج ذات محتوى إسلامي في أهدافه وتطبيقاته، ومحتواه الديني ومضامينه (يكون موجها لأبناء العالم الإسلامي وشعوبه).
ب - البرنامج الثاني: برنامج تعليمي كذلك؛ ولكنه يصمم بمناهج ذات أهداف تختلف عن أهداف البرنامج الأول ويكون ذا محتوى ثقافي عام، وأدبي، وفني، ولغوي؛ يهتم بتعليم اللغة العربية وإكساب المتعلم المهارات اللغوية من استماع وفهم وقراءة وكتابة، وبالتالي الوصول به إلى الفهم الكلي للنصوص اللغوية العربية، وتذوق أساليبها، وجمالياتها البيانية، والصوتية، والفنية، وجماليات خطوط حروفها وكلماتها وعباراتها، وتشكلاتها المتنوعة، التي تعبر عما تزخر به هذه اللغة (البيانية) الفريدة (ذات اللسان العربي المبين) في حروفها، وكلماتها، وعباراتها، وصورها، وما تكتنزه من فنون وجماليات.
ويفترض في هذين البرنامجين أن يكونا ممثلين، ومترجمين، بصورة عملية صادقة لرسالة المملكة العربية السعودية، ولغتها العربية، تجاه أشقائها المسلمين، وتجاه إخوانها في الإنسانية، وأصدقائها من شعوب العالم المحبة للسلام والتعاون، القائم على تبادل التفاهم والمعرفة والثقافة الإنسانية وقيم مكارم الأخلاق الفاضلة.
إن العناية باللغة العربية (تعليما وتمكينا، ونشرا) يحتل الأهمية الأولى في (أولويات) هذه العناية؛ وقد سبق لي أن فصلت هذه الأهمية لهذه الجوانب وسواها، في سلسلة مقالات متتابعة، عن اللسان العربي، على صفحات جريدة الجزيرة، وقد بدأت أولى حلقاتها بتاريخ 27-5-1440هـ، في العدد (16928) وقد اعتنت بتناول بعض قضايا اللغة العربية ومناقشة مشكلاتها، وركزت على أهمية رسم إستراتيجية لتمكينها في حياتنا، وما يمكن أن تقدمه اللغة العربية من تأثير، بشأن تعزيز هويتنا الثقافية، وحلول لمشكلات في المشهد الأمني، وأنها طريق مهم لتقدمنا العلمي التطبيقي، وأهمية إتاحة نشرها وتعليمها للآخر من الناطقين بغيرها بوصفها قوة ناعمة مثالية يجب استثمارها، والاستثمار فيها؛ وبخاصة أنها مفعمة بأنسام من وسطية الإسلام، وسماحته، وروحه الإنسانية، وما يحمله من رحمة للعالمين ... إلخ.
ولعله من حسن الطالع، وجميل الفأل، أن يأتي تأسيس هذا (المَجْمَع الواعد) في أجواء ما تعيشه المملكة العربية السعودية، من جهود إصلاحية، ومكتسبات متوالية، يحظى بها الوطن العزيز، في ظل روح رؤية المملكة (2030) هذه الرؤية الواعية المتطلعة (إلى آفاق طموحة) من التحقق والفاعلية والإيجابية والإبداعية، التي قدم فكرتها، ويقود حراكها، ويتابع مسيرتها، سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان ابن عبد العزيز، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبد العزيز، وسديد توجيهاته ودعمه.
ولا بد أن أختم، هذه المقالة السريعة الاحتفائية الموجزة، عن (عنوان هذا المجمع) وما تضمنه من اسم عظيم المحتوى والدلالة؛ من حيث ارتباطه باسم شخصية عظيمة، هي شخصية الملك (سلمان بن عبد العزيز) - حفظه الله- بما يمثّله من وزن وتجربة وتاريخ سياسي وثقافي واجتماعي وحكمة وقيم، وعطاء متواصل، وحضور وتأثير، وما يقوم به من قيادة لدولة عظيمة مؤثّرة، ذات العمق التاريخي والثقافي، وذات الرسالة والتأثير، الذي يتجاوز، في جوانبه الإيجابية الخيرة، حدوده الجغرافية.
ثم إنه (مجمع) للغة عالمية، ذات رسالة وتأثير عميق في فكر العالم وثقافته ووجدانه؛ هي (اللغة العربية) التي تمثل (المملكة العربية السعودية) مهدها، ومسرح أساطينها؛ من خطباء وشعراء وحكماء، وعلى رُباها كان مشهد نموها وتطورها وانتشارها.
إنه اسم يجسد المهمة العظيمة لهذا المجمع، وحمله الثقيل، وهدفه النبيل، ومسؤوليته الكبيرة، تُجاه الأبعاد المتعددة التي يتحملها هذا الاسم، وما يتغياه من أهداف ومضامين ورسالة.
وأنا على يقين - بعون الله وتوفيقه - من أن القائمين على هذه المؤسسة العظيمة، وعلى تنفيذ أعمالها الإدارية والعلمية، وتحقيق رسالتها، ابتداء من مقام الوزارة الموقرة، وتطلعاتها الحيوية، ووصولاً إلى القائمين المباشرين بأعمال هذه المؤسسة من علماء متخصصين لغويين، وعلماء من ذوي التخصصات الأخرى من إعلاميين وتقنيين وسواهم، وإداريين، وتنفيذيين، ومعاونين، باختلاف مواقعهم ومهماتهم وتخصصاتهم، على يقين من أنهم جميعاً يستشعرون هذه المسؤولية العظيمة، والفرصة العظيمة، ويستلهمون روحها الإيجابية النبيلة، ويتحلّون بحيوية الإقبال على حملها، بكل ما أوتوا من قوة وفاعلية وإبداع.
شكراً للعاملين الصادقين، والمثابرين المخلصين، ودعاء لهم بالتوفيق والعون وحسن الجزاء.