أ.د.عبدالله بن أحمد الفيفي
أشرتُ في المساق السابق إلى أنَّ المؤسَّسات الثقافيَّة في ديار (بني عبس) ما فتئت تتخيَّل المجتمع يعيش في العصر العبَّاسي! وتتصوَّر أنه سيحضر إلى دواوينها، وأنديتها، ومهرجاناتها، زرافاتٍ ووحدانًا، وإلَّا فليس مثقَّفًا من طراز (الجاحظ)، أو (جحظة)، أو حتى (أبي العميثل الأعرابي)! وهيهات؛ هذا زمنٌ ولَّى بخيره وشَرِّه!
ولولا ذلك لكان من الضروريّ جدًّا تدشين مواقع حيويَّة متجدِّدة لتلك المؤسَّسات على شبكة «الإنترنت»، منذ نهايات القرن الماضي، تبثُّ فعاليَّاتها، و»تؤرشِف» أعمالها، وتسجِّل مسيرتها، وتصل إلى المتلقِّي في أيِّ مكان في العالم، وتقدِّم مادَّةً مرجعيَّةً للباحث والدارس والقارئ والمشاهد، بصفةٍ مستمرَّة، لا موسميَّة. بحيث يظلُّ موقع تلك المؤسَّسة الثقافيَّة الإنترنتِّيُّ كتابًا مفتوحًا طوال العام والعالَم، وقناةً متدفِّقة، تصل إلى الناس مباشرةً حيثما كانوا. وهذا لا يكلِّف الكثير. ومَن لا يصدِّق، فليسأل أصغر أطفاله! بل لو أُخِذ بذلك لكانت تلك المواقع الإلكترونيَّة مصادر معرفةٍ، وإفادةٍ، ومراجعةٍ من قِبَل القائمين على المؤسَّسة أنفسهم؛ لتطويرها والنهوض بمستواها.
على أن الخَلل يكمن في إدارة الثقافة على نحوٍ عصريٍّ فعَّال، وفي تنظيم فعاليَّاتها بصفةٍ تُراعي تعقيدات الحياة اليوم، وإتاحة تلقِّيها على نطاقٍ واسع، وبأسلوبٍ يواكب المستجدات، بحيث لا يُحرَم كثيرون من متابعة الأنشطة المختلفة والإفادة منها. ذلك الحرمان الذي ينشأ إمَّا لتزامنها، أو لتعارضها مع ظروف المستهدَفين، أو لبُعدهم عن أماكن إقامتها. كما أنَّ الأخذ بوسائل الإعلام الحديثة تلك كان سيُلغي بعض العجز في فترات البيات الصيفيِّ وغير الصيفيِّ، التي تبدو لدينا خاليةً غالبًا من الحراك الثقافي.
إنَّ الثقافة اليوم لم تعُد: محاضِرًا يُلقِي دُرَره السنيَّة على الجماهير من عُلوِّ منبره، وجماهير تتجشَّم المشاق وتقطع المسافات للتحلَّق حول المحاضِر، قُدِّس سِرُّه!، كي تتلقَّف ما يُلقي عليها، وتهزُّ الرؤوس، وبعضها في سُباتٍ عميق أو في عالَم آخَر!
فشكرًا، (آنسة كرونا)، لقد علَّمتنا، وأدخلتِنا روضة الأطفال في العصر الراهن، ومَن لم يمتثل لإرادة الزمان والمكان والجدول الدراسي، نفيته من الوجود، أو جعلتِه عبرةً لمَن لا يعتبر!
ولكن، مع الأسف، لا ينبغي أن نفرط في التفاؤل. بدليل أنَّه- كما أشرنا من قَبل- بمجرد فكِّ الحظر الكامل عن التجوال عادت في اليوم التالي حليمةُ البيروقراطيَّةُ الورقيَّةُ إلى عادتها القديمة؛ لأن البيروقراطيَّ الورقيَّ لا يجد لذَّته في الشعور بموقعه الوظيفيِّ إلَّا في التعامل بتلك الطريقة مع الناس.
- فَضَحَتْنا مِنْ «كُرونا» نَجْمَـــةٌ؛
فـتَـوارَيْـنــا سَـماءً ونُـجُوْما!
هَـزَمَــتْـنـا ذاتُ تــاجٍ حُـرَّةٌ
لَـمْ تُـوَقِّرْنـا، زَعِـيْـمًا ، أو هَزِيْما!
- لَـمْ تَجِـدْ إِلَّا سُـيُوْفًـا شُرَّعـًا
مِـلْءَ يُمْناهـا، وإِيْمانـًا سَـقِيْما!
* * *
- قالَ: يا أَعْمَى استَفِقْ! ما ه?كذا
تُـوْرَدُ الآيـاتُ إِصباحـًا سَدُوما!
- قُلتُ: يا عَمِّيْ استَفِقْ! ما ه?كذا
تُـوْرَدُ الآيـاتُ إِصباحـًا نَـؤُوما!
إِنَّ ضَعْـفَ الطِّـفْـلِ مِـنْ قُـوَّتِهِ؛
سيَـشِبُّ الطِّـفْـلُ إِنْسانًا صَمِيْما
مـا «كُرونـا» غَـيْرُ إِقْلاعٍ إلى
َكـوْكَـبٍ أَرْقَـى سَيَـنْداحُ عَظِيْما
مِنْ جَحِـيْمِ النَّـارِ تَصْحُوْ جَـنَّـةٌ
مِلْءَ أَرْدانِ النَّـدَى شِعْرًا حَكِـيْما!
* * *
«كَحَّ» مِنْ قَوْلِيْ مَلِـيًّا ، وانْبَرَى:
- أَنا في حَجْرٍ؛ ففارِقْنِيْ سَلِـيْما!
«اِبْقَ.. قابِلْنِـي» إذا هُمْ أَفْلَحُوا،
بَعْدَ «كُوْفِيْدَ»، خُصُوصًا أو عُمُوما!
** **
* (العضو السابق بمجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود)
p.alfaify@gmail.com
https://twitter.com/Prof_Dr_Alfaify
http://www.facebook.com/p.alfaify