عبد العزيز الصقعبي
استيقظت من نومي وأنا أشعر بالعطش، قررت أن أتوجه إلى المطبخ، غرفة نومي في الدور الأعلى، لا أدري لماذا واجهني صمت مخيف وظلام، أضأت مصباح الدرج وتوجهت بهدوء إلى الثلاجة لأسكب لي كأس ماء، لا أريد أن يبدر مني أي صوت بالذات في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل، عدت إلى غرفتي، بعد أن أغلقت كل الأنوار، أنا لا أحب الظلام الدامس، ولكن ربما تعودت من والدي أن أساعد على التوفير وبالذات في استهلاك الكهرباء والماء، أريد أن أكمل نومي، لأتوجه في وقت مبكر إلى عملي وقد أخذت قسطاً جيداً من الراحة والنوم، وحريص على الحضور المبكر لأن هذا اليوم يأتي بعد انقطاع عن العمل دام ثلاثة أشهر تقريباً.
عندما اغمضت عيني أملاً بجلب سلطان النوم بصورة سريعة، سمعت صوتاً، غير واضح في البدء، ثم ما لبث أن بدأ يرتفع، لا يوجد أحد غيري في البيت، أسرتي قررت إكمال الإجازة في قريتنا، وأنا أتيت مجبراً لأهمية عملي، تصاعد الصوت مما اضطرني إلى إضاءة نور الغرفة والبحث عن مصدره، لا شيء يوحي أن الصوت قادم من داخل الغرفة أو البيت، توجهت إلى النافذة لأزيح ستارة سميكة تغطيها لأتفاجأ بالنهار.
أنا متأكد أن الساعة كانت الثانية عشرة من منتصف الليل عندما استيقظت لشرب الماء وأمامي قرابة الخمس ساعات لأذان الفجر وشروق الشمس، وأيضاً متأكد أنني لم أنم عندما عدت إلى الفراش فقط أغمضت عيني، وبدأت أسمع الأصوات، ولكن الغريب، مجرد أن أزحت الستار، عمّ نور الشمس الغرفة، اختفت الأصوات، صخب غريب أزعجني، ما لبث أن اختفى، ساعة واحدة نمتها أو أقل، لاستيقظ لشرب الماء، من المفترض أن أكون في مقر العمل الساعة السابعة صباحاً، أحتاج إلى ساعة واحدة لأجتمع مع موظفي إدارتي لأعرف ماذا تم إنجازه خلا فترة غيابي على الرغم أنني كنت أتابع كثير من الأعمال عن بعد، ولكن لأسمع ملاحظاتهم وآرائهم، وفي الساعة التاسعة لدي اجتماع مهم مع بعض القيادات في العمل، أنا لست من ضمنهم، أنا مجرد رئيس قسم مكلّف بعد تقاعد الرئيس السابق، آمل أن يتم تثبيتي برئاسة القسم، وأطمح أن أكون مديراً، لأصل بعد ذلك إلى مستوى تلك القيادات، ولكن هي خطوة من ضمن الخطوات للوصول للقمة، وأنا أستحق ذلك، سأخبرهم بإنجازات قسمي وأؤكد لهم إنها بسبب إدارتي الجيدة وتوجيهاتي، ولا يمنع أن أشيد ببعض الموظفين لدي بالذات المقربين مني، بكل تأكيد لابد أن أكون واعياً ومستيقظاً في هذا الاجتماع، لأن كل كلمة محسوبة، ولكن لم أنم إلا ساعة أو أقل، متأكد أن الساعة كانت الحادية عشرة مساء عندما ذهبت إلى سريري، نمت قرابة الساعة واستيقظت حينما شعرت بالعطش و مباشرة طالعت هاتفي المحمول الساعة كانت الحادية عشرة مساء وخمسون دقيقة، أي قبل منتصف الليل بعشر دقائق، عدت وأغمضت عيني لأسمع مباشرة الأصوات الغريبة، التي اختفت حينما أبعدت الستارة وفتحت النافذة، تأكدت من الوقت في هاتفي المحمول لأجدها الثانية عشرة ظهراً، أنا لم أنم اثنتي عشرة ساعة، ومنبه الهاتف لم يوقظني الساعة الرابعة لأداء صلاة الفجر، ولم يجدد إيقاظه لي في الساعة السادسة لأستعد للذهاب إلى العمل، ما الفائدة من ذهابي بعد صلاة الظهر للعمل، وماذا يقول عني قيادات العمل عندما أتغيب عن الاجتماع، ربما سيستغل أحد الموظفين ذلك ويحضر الاجتماع بدلاً عني، وعندما أصل لمقر العمل أقابل قرار إبعادي عن رئاسة القسم، وتعيين ذلك الموظف، وأبقى طول العمر موظفاً بسيطاً، أين ذهبت تلك الساعات، أنا متأكد أنني لم أنم بعد أن استيقظت قبل منتصف الليل، لم أنم مطلقاً، شربت الماء، وتوجهت لسريري وحين وضعت رأسي على المخدة وأغمضت عيني، سمت تلك الأصوات، ليتحول الليل إلى نهار، الآن يجب أن أواجه المشكلة، لابد أن أذهب إلى مديري المباشر أقول له كل ما حدث بالتفصيل، والأمر لا يحتاج إلى تفصيل لأنه لا يوجد تفاصيل أستطيع أن أشرحها، فليس من المنطق أن أغمض عيني وأفتحهما مباشرة، وأقول استغرق ذلك اثتني عشرة ساعة، لابد أنني نمت واستغرقت بالنوم حيث لم أسمع صوت المنبه في الساعة الرابعة والساعة السادسة صباحاً، ولكن أعرف نومي، وأعرف نفسي كثيراً استيقظ لأقل صوت، وتعرف كل أسرتي أن نومي خفيف، ما الذي حدث لي، بسبب هذه الغفوة التي لا أعلمها، سأفقد مركزي الوظيفي، ما لم أقدم عذراً مقنعاً لمديري، يجب أن أتحمل المسؤولية، وأواجه المدير والمدير العام وجميع القيادات بعملي بالواقع، وأقنعهم بأنني أهل لكل منصب قيادي، ولو كان رئاسة قسم، سأصلي الفريضة التي فاتتني، وأستعد للذهاب للعمل ولو كان الوقت متأخرًا، فأن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً، يا لهذه المقولة المهمة التي أراحتني قليلاً، ها أنا أسمع المؤذن يؤذن لصلاة الظهر، يا إلهي خطيب مسجدنا بدأ يخطب، هل اليوم الجمعة.