د. حسن بن فهد الهويمل
عند تحويل القِبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام هبَّ السفهاء المتصدون للرسالات السماوية، ورسلها، وأضافوا لحملتهم ذلك الحدث الجلل، مثلما أضافوا قضية الإسراء والمعراج.
والسفاهة خُلق دنيء قائم، يتوارثه التافهون صاغرًا عن صاغر. لقد سك الغرب مصطلحات، وطرحوا مناهج، ولبَّسوا على الناس ما يلبسون، فتحمس لها قوم، وتبناها آخرون.
وهي مصطلحات: دينية، وسياسية، واجتماعية، وحتى علمية. أضرت بنا حين تلقيناها مسلِّمين، وأضرت بنا حين اكتشف بعضنا زيفها، وهبَّ لمقاومتها.
ومما له علاقة بـ(الأدب) حملة الرعاع على (التراث) بطريقة فجة، وغير مسؤولة.
المستشرقون أوزاع؛ تختلف أهدافهم وقدراتهم، إذا قاربوا (التراث) العربي والإسلامي بنوايا سيئة توارثوا النيل منه عقودًا من الزمن للتشكيك فيه، لا لطمس معالمه. أما سفهاؤنا فيتقحمون لججه بجرة قلم، أو فلتة لسان، ويظنون أنهم طمسوا معالمه، وألقوه في غيابة المزابل.
إنها رعونة، وجهل، وتطاول.. وما دروا أن مكتبات الغرب والشرق تزخر بأربعة ملايين مخطوطة مسروقة، وأن التراث الإسلامي هو الذي وضع مهاد الحضارات، وأن لغته أقوى اللغات، وأثبتها، وأن لغة (ابن حذام) الذي تتلمذ عليه (امرؤ القيس) هي لغة: (شوقي) و(الجواهري) و(أبي ريشة)، وأن لغة (شكسبير) تترجم للمعاصرين الغربيين.
تراثنا الديني، والأدبي، والفكري، والفلسفي، الذي يدعو الحداثويون إلى القطيعة معه، هو الذي حمل العرب إلى متن التاريخ، وهو الذي أنجز الفتوحات، وهو الذي زوى الأرض للمجاهدين: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}.
تراث حقق ما حقق يستوجب التسبيح، والاستغفار، لا القطيعة، والاستهتار.
فرق بين الرحيل بالتراث؛ ليتفاعل مع المستجد، والرحيل إلى التراث، والقطيعة مع المستجد. وكم هو الفرق بين البديل والرديف.
المنهزمون يمسكون تراثهم على هون، أو يدسونه في التراب، مستبدلين الأدنى بالذي هو خير.
تبَّت أيديهم، وتربت وجوههم، وخابت ظنونهم..!