التعافي:
من أبرز المصطلحات التي درجت كثيرًا بُعيد انتشار «كورونا»، وتردد في تقارير وزارة الصحة اليومية الإحصائية عن مسار الوباء؛ وذلك للإشارة به إلى عدد الذين شُفوا من مجمل حالات الإصابة.
لفت نظري أن الإشارة إلى حالات الشفاء جاءت بإحدى صيغتين: باستخدام المصدر - وهو الشائع أكثر - فيقال: «حالات التعافي»، أو باستخدام اسم الفاعل منه فيقال: «عدد المتعافين».
ولأن دلالة اللفظين معلومة، وللتبيين أقول إنني حين رجعت إلى أشهر المعاجم القديمة لم يكن هدفي تتبع «المعنى» بل «الصيغة»؛ وذلك لأجيب عن سؤالي الشاغل: هل سأجد فيها هذين اللفظين أو أحدهما، أم سيصدق ظني ولا أجد؟ وإن سأل سائل لِمَ لم تظني؟ فإن جوابي هو:
إن وزن لفظ «التعافي» هو «التفاعل»، ووزن لفظ «المتعافي» هو «المتفاعل»، وكلتا الصيغتين تدل على «المشاركة» من «العافية»؛ وأي مشاركة في أمر العافية؟! هذا باختصار ما دعاني للشك في وجودهما.
أما النتيجة التي انتهيت إليها فهي أن المعاجم لم تذكر أيًا من هاتين الصيغتين البتّة، بل ذكرت لفظيْ العافية والمعافاة، وجاء تحت الأول: «هي الصِّحَّةُ ضدُّ المَرَض. يقال: عافاهُ الله وأَعْفاه أَي وهَب له العافية من العِلَل والبَلايا. عافاهُ مُعافاةً وعافِيَةً مصدرٌ، كالعاقِبة والخاتِمة، أَصَحَّه وأَبْرأَه».
وتحت الآخر: «أَنْ يُعافِيَكَ اللهُ من الناس ويُعافِيَهم منكَ أَي يُغْنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أَذاهم عنك وأَذاك عنهم. وقيل: هي مُفاعَلَة من العفوِ، وهو أَن يَعْفُوَ عن الناس ويَعْفُوا هُمْ عنه».
الوفيات:
وهذا اللفظ أيضًا ملازم لكل تقرير عن «كورونا». وبما أننا في غنيً عن الحديث في دلالته فإن وقفتي معه ستكون عند الطريقة العوجاء التي كنت - وما زلت - أسمع الغالبية ينطقونه بها؛ وذلك بكسر الفاء وتشديد الياء مع الفتحة (الوفِيَّات)، وما هذه الحروف بهذا الضبط إلا جمع كلمة (وَفِـيّـة) أي: المرأة الوفية المخلصة، ولا علاقة لها بمعنى الموت البتّة. والصحيح أن يقال: (الوفَيَات) الفاء فتحة والياء فتحة بلا شدة.
الحظر:
جاء في لسان العرب: «الحَظْرُ: الحَجْـرُ، وهو خلاف الإِباحَةِ. وحَظَرَ عليه حَظْراً: حَجَرَ ومَنَعَ.
والمَحْظُورُ: المُحَرَّم. حَظَرَ الشيءَ يَحْظُرُه حَظْراً وحِظاراً وحَظَرَ عليه: منعه، وكلُّ ما حال بينك وبين شيء فقد حَظَرَهُ عليك. وفي التنزيل العزيز: {وما كان عَطاءُ رَبّكَ مَحْظُورا}.
وبهذا المعنى جرى حظر (منع) الخروج المعتاد إلى الحياة العامة في المملكة وأغلب دول العالم الموبوءة، بوصفه أبرز الوسائل التي واجهت بها الوباء، وحدت به من انتشاره، وقد فرضته على صفتين؛ كلي وجزئي، ولم يكن ليُخرق في كليهما إلا لأسباب وجيهة، وبضوابط معينة.
كما تولّد من ذلك تعبيران، برزا على سطح الحديث اليومي، هما: «الحجر المنزلي» للتعبير عن الالتزام بالبقاء في المنازل وعدم الخروج منها إلى مرافق الحياة. و»الحجر الصحي» للتعبير عن حجز المصاب وعزله عمن حوله حتى يتعافى.
وتبقى وقفتي القصيرة عند كتابة بعضهم هذه الكلمة بالضاد (حضر) جهلاً منهم بفرق المعنى بين الكلمتين.
الكمامة:
وهي قطعة من مادة معتمدة طبيًا، وقد تكون من القماش، يغطَّى بها الأنف والفم بتثبيت طرفيها خلف الأذنين. وقد فُرض استخدامها لتفادي انتقال فيروس (كورونا) بين الناس. والشائع في نطق العامة هذه الكلمة هو بفتح الكاف (الكَمَّامَة والجمع كَمَّامَات)، في حين أن الصواب كسرها وتخفيف الميم (الكِمَامَة). جاء في لسان العرب: «الكِمام، بالكسر، والكِمامة: شيءٌ يُسدُّ به فم البعير والفرس لئلا يَعَض. وكَمَّه: جعل على فيهِ الكِمام.. قال شمر في قول الفرزدق: يُعَلِّقُ لَمّا أَعْجَبَتْه أَتانُه، بأَرْآدِ، لَحْيَيْها جِيادَ الكَمائِمِ. يريد جمع الكِمامة التي يجعلها على مَنْخِرها لئلا يُؤْذيها الذُّباب».
وجاء أيضا: «إِنه لحَسن الكِمَّةِ أَي التكمُّم، كما تقول: إِنه لحسن الجِلسة».
وفي رأيي إنها تقبل الضم (الكُمَّامَة) - وإن كانت بالكسر أرجح - وذلك لقول ابن منظور:
«الكُمَّةُ: كلُّ ظَرْف غطيت به شيئًا، وأَلْبسته إياه فصار له كالغِلاف». وجاء في الصحاح: الكُمَّة القلنسوة المدوَّرة لأَنها تغطي الرأْس». ولكنه أورد أيضا ما رُوي عن عمر - رضي الله عنه -: أَنه رأَى جارية مُتَكَمْكِمة، فسأَل عنها فقالوا: أَمةُ آل فلان، فضرَبها بالدِّرّة وقال: يا لَكْعاء أَتَشَبَّهِين بالحَرائر؟ أَرادوا مُتَكَمِّمة فضاعَفوا، وأَصله من الكُمَّة وهي القَلَنْسُوة فشبه قِناعها بها».
مخالطة/ مُخالط:
وهما لفظان أخذا موقعَيهما من معجم التداول أثناء الجائحة، وكلاهما من الفعل «خالط»، الأول مصدر على وزن «المفاعلة» يدل على فعل المخالطة، والآخر اسم فاعل منه، ويطلق على كل من خالط مصابًا؛ فترجحت نسبة التقاطه العدوى، ومن ثم نسبة إصابته بالمرض؛ وبذا فإن اللفظين -بصيغتَيهما - استُعملا على الوجه الصحيح؛ لأن أمر «الاختلاط» يقوم على طرفين أو أكثر، وفعل المشاركة فيه وارد وحاصل.
جاء في لسان العرب: خالطَ الشيءَ مُخالَطة وخِلاطاً: مازَجَه... الخِلاط: اخْتِلاطُ الإِبِل والناسِ والمَواشي. مصدر خالَطه يُخالِطُه مُخالَطةً... والخَلِيطُ: المُخالِط ويريد به الشريك الذي يَخْلِط ماله بمال شريكه.
وخلَط القومَ خَلْطاً وخالَطَهم: داخَلهم... وخَلِيطُ القوم: مُخالطهم كالنَّديم المنادِمِ، والجَلِيسِ المُجالِسِ.. المخْلاط: الكثير المخاَلطةِ للناس».
هذه كانت وقفة أختكم المجتهدة المقلة، ولا شك أنها قاصرة؛ تقبل التوسيع فيما طرح، وأيضًا التوسّع إلى الوقوف عند ألفاظ أخرى لم تطرح.
ختامها دعوة للعالم أجمع: رفع الله البلاء، وأنزل الدواء، وكتب الشفاء!
** **
- الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف