«النُخَبْ» هم من يُسَخّرون جهودهم للتأثير على المجتمعات. وهم لم ينزلوا من الفضاء، إنما هم نتاج المجتمع ذاته وتطوره.
التطور الاجتماعي ليس خطّاً مستقيماً؛ بل متموجاً. تُعَبّرْ فيه الموجات الصاعدة عن الرقي والازدهار، والهابطة عن التخلف والتدهور والانحطاط. وقد مرّت وتمر كل الحضارات بعصور الازدهار؛ ثم عصور انحطاط؛ سُمِّيَت للتخفيف من وطأتها «العصور الوسطى أو عصور الظلام». وهذه الموجات لا تدوم؛ بل تتلوا الصاعدة منها أخرى هابطة أو العكس.
لا يخفى على أحد أن زمن الازدهار يبعث الأمل والعنفوان لدى المجتمات؛ بنخبها وعامتها. ويتسارع فيه الإبداع قولاً أو عملاً أو كليهما للتقدم أكثر فأكثر. وتنطلق فيه النُخَبْ «الحداثية» أفواجاً؛ وتخفت فيه أصوات النُخَبْ «التراثوية»؛ التي ترى في الازدهار وبالاً على «القِيَمْ» والأخلاق.
أما في عصور الظلام فينتشر اليأس ويحل «شهر عسل» النُخَبْ «الظلامية»؛ التي تزيد اليأس يأساً؛ وتروج للاستكانة للظلم والظلام؛ وتطمس كل ما يفضي إلى بصيص من الأمل. وتحاول جاهدة أن تحول اليأس إلى مرض «مُزْمِن» لدى المجتمع والفرد. وهذا ليس مستغرباً من تلك النخبة؛ ولكنه مستغرباً ممن يحملون راية الحداثة ويشيعون اليأس!
ربما يقع «الحداثي» فريسة اليأس المنتشر رغماً عن أنفه في المجتمع، ولكن هذا لا يجيز له نشر يأسه في ذلك المجتمع. فإذا كانت النخبوية هي الاختيار؛ كما تقول المعاجم؛ فهذا يعني أن المجتمع قد اختار النخبوي كي يعينه على بلواه؛ لا أن يحدث العكس. ولا بد أن يعي كل نخبوي أنه ليس ملكاً لذاته؛ إنما لمجتمعه؛ وإذا كان النخبوي الحداثي يائساً؛ فمن الأجدر أن يحارب اليأس في داخله وينتصر عليه؛ ثم يحاول اجتثاثه من مجتمعه.
اليأس قرين الاكتئاب؛ بل هو ذروته؛ وقد يفضي بالفرد للانتحار، ولكن المجتمعات لا تنتحر؛ وهي ضمئى دائماً لحداثي يَسْخَر من الصعاب ويضيء شمعة الأمل.
على الرغم من قسوة العصور الظلامية على النخبة، بيد أن معظم الأسماء النخبوية المرموقة في التاريخ والجغرافيا لمعت في أزمان الانحطاط. ومنهم من سجن وعذب أو فقد حياته! ولكن لم تلمع أسماء من كانوا يائسين.
قد لا يفهم الجيل الجديد من القراء ما تقوله؛ خاصة عندما تتخمه بسرب من أسماء فلاسفة لا يعرفهم؛ ولكنه يشعر بك إن كنت يائساً. وإذا ما أدخلت في حسابك مقدار التضليل وضياع الحقيقة في برامج التواصل الحديثة؛ والكذب الوقح؛ والتهديد المبطن والتجسس فيها؛ إضافة إلى بث يأسك أنت في هذا الجيل الجديد؛ قد تودي به إلى «يأس مزمن» يقوده للانتحار.
** **
- د .عادل العلي