الجزيرة الثقافية - محمد هليل الرويلي:
استحضر وجه والده – رحمه الله – يمد له وهو بالصف الرابع, العدد الأول من مجلة «العربي»1958م، بعدها ترك والده شركة الزيت العربية وعاد إلى سكاكا بحضن (قلعة زعبل) حارة بيوتها طينية وأزقتها ضيقة.
وذات ليلة كان معه في «شبّة» جارهم مريحيل المبارك – رحمه الله – وفي الركن وجد مجلة «المصور وآخر ساعة» المصرية، يجلبها أخوه وأستاذه وصديقه – كما وصفه-
حمود ولد جارهم مريحيل, الذي يتواصل معه حتى اليوم, هو من فتح له بابا عاش كل ما فيه من إثارة وفتون وسحر ومتعة وثروة «عالم القراءة» وشعر أن العالم ملكه والنجوم مراكبه.
لا حظ حمود انهماكه, فناوله «عصاميون عظماء من الشرق والغرب «لمحمد أبوحديد. أول كتاب قرأه و»أيام» طه حسين, ومجدولين والفضيلة للمنفلوطي. وكتاب هتلر «كفاحي» وجد فيه مصطلح «البروليتاريا» لم يفهمها؟! لكنه خجل أن يسأل حمودًا!
بعد الابتدائية اقتنى «البؤساء» لفكتور هوغو ورواية «لا تطفئ الشمس» لإحسان عبد القدوس. وبانتقال حمود للعمل بالرياض توقف عن القراءة, شعر بالتيه وشيء من الفقد.
كنز العزيزية الثمين
وقال الروائي (خالد الحمد) مستعرضًا ذاكرته القرائية: في معهد المعلمين بسكاكا أهداني أحد أساتذتي كتاب «سيرة خالد بن الوليد» ممهورًا بالإهداء: هذه سيرة خالد بن الوليد .. يا خالد.
بعد ذلك, عملت مدرسا بابتدائية العزيزية بسكاكا. ووقعت على كنز ثمين «كتب» فجهزت مقرًا وبدأت إعارة الطلاب وكنت المستفيد الأول..
كونت أول مكتبة بواسطة زملاء من الأردن وفلسطين, إذ كنت نهاية العام الدراسي أناولهم قائمة بالكتب مع مبلغ من المال لإحضارها عند بداية عودتهم, اقتنيت ما يقارب مئة كتاب منها: المنجد, مختار الصحاح، وسيرة مهاتما غاندي. أما الكتاب الذي شدني وشكل ثقافتي ووعيي هو كتاب أنيس منصور «حول العالم في 200 يوم».
تركت مكتبتي بسكاكا للالتحاق بكلية التجارة بالرياض وللأسف فقدت ما فيها من كتب. عُينتُ بمعهد الإدارة وخلال بعثتي للدراسة للماجستير بأمريكا لم أقرأ ما يشار إليه.
عدت للقراءة عام 1409, كنت حينها «مديرا لفرع معهد الإدارة العامة بجدة» وبمكتبة الفرع وقعت على كتب المفكر والفيلسوف زكي نجيب, بعدها سافرت لمعرض الكتاب بالقاهرة وعدت معي «300» كتاب, نواة مكتبتي. وتوالى حصولي على الكتب من القاهرة, معرض الرياض وجدة. ثم بدأت رحلتي مع الكتابة في ملحق «الثقافية» بين عامي 1417 – 1413وبرسالة المعهد. وقرأت كتب صديقي وأخي إبراهيم عبد الرحمن التركي، وللنقاد قرأت جميع كتب الغذامي وقرأت كتب حرب وأدونيس والقصيمي وجدعان وجارودي، ونهاية التاريخ لفوكوياما..
تراجع زكي نجيب محمود في جامعة الكويت
وتطرق الحمد لفكر زكي نجيب محمود الذي أشغله قائلًا: تراجع زكي نجيب عن فلسفته الوضعية، وبدأ تغيير تفكيره عندما عمل بجامعة الكويت يقول: في تلك المرحلة بدأ يكتشف التراث الإسلامي والثقافة الإسلامية وراح يبحث فيها ويدعو لربطها بثقافة العصر فألف «تجديد الفكر العربي رؤية إسلامية بذور وجذور وكتابه الأثير «المعقول واللامعقول» وهو كتاب يبحث فيما هو معقول بالثقافة العربية وفرز ما هو غير معقول تعرض فيه بقسمين القسم الأول للمعقول والآخر لما سماه غير المعقول وفيه تناول التيارات المذهبية والفكرية في الثقافة الإسلامية الصوفية وإخوان الصفاء والمعتزلة وفرز تلك المذاهب والتيارات الفلسفية ببراعته ودقة بحثه وجمال أسلوبه.
تعددت قراءتي, قرأت مشاريع المفكرين: الجابري وأركون والعروي. وإصدارات مركز دراسات الوحدة العربية وندواتها. وبلقزيز والنيهوم، وتابعت مأساة نصر أبو زيد. كما قرأت لجمال باروت وصادق جلال العظم ومطاع صفدي وطيب تيزني وعبد الرازق عيد وأمين معلوف. وكتب فاطمة المرنيسي المغربية المهاجرة. وبرهان غليون وإدوارد سعيد. وحسن حنفي المفكر المثير! يقول إنه عندما تخرج من باريس عام 1951م كان لديه أكثر من 5000 كتاب لم يستطع شحنها لمصر فاستعان بالحكومة المصرية التي أوصلتها له لمنزله بالقاهرة. قال عنه علي حرب: ترددت أن أتناول كتبه بالنقد لأنه «ترسانة» معلومات. ومثله وجدت غادة السمان.
الأسطورة ومستغانمي والعلوي
شدتني الأسطورة فقرأت كتب فراس السواح مغامرة العقل الأولي، جلجامش، موسوعة تاريخ الأديان والتاو الصيني..
إضافة إلى ذلك, وجدت متعة في روايات أحلام مستغانمي: ذاكرة جسد, فوضى الحواس, نسيان, الأسود يليق بك. وروايات محمد شكري: الخبز الحافي, الشطار, ولحيدر حيدر: الزمن الموحش ووليمة لأعشاب البحر. والمتمردة لمليكة مقدم، ومن تونس. ورواية الطلياني لشكري المبخوت. وقرأت لجبر إبراهيم، وعبدالرحمن المنيف. ومن الروايات المترجمة فاوست لجيته ودون كيخوت لثرباس.. وقوس قزح للورانس. والعجوز والبحر لأرنست همنجوي. وكتب وروايات البرتو مانغويل والبير كامو. وكوخ العم توم. هيريت ستاو, وروايات جورج أورويل..
وأضاف الروائي خالد الحمد: أما من ناحية قراءاتي للروائيين السعوديين, فقد قرأت ليوسف المحيميد «الحمام لا يطير في بريدة» ولعبده خال ومحمد حسن علوان وأميمة الخميس ورجاء عالم. وآخر ما قرأت روايات «مقبول العلوي» البدوي الصغير, طيف الحلاج وزرياب.
جمعتها من الأغبياء!
وبين الحمد: لم أبع شيئا من كتبي, أتجنب أن أعير منها ما استطعت. لهذا وضعتها في مكان قصي, حتى لا أكون ممن قال عنهم فولتير, حين رد على من قالوا له: مكتبتك كبيرة يا فلوتير «جمعتها من الأغبياء!».
وزاد: القراءة حياة. تشكيل وعي ونوافذ مفتوحة على العالم ومن لا يقرأ آراه كإنسان تائه في ليلة مظلمة بصحراء مقفرة. شخص لم يدرك أن وراء حلكة ظلام الصحراء صبحًا شفيف النور يغمر الروابي والجبال..