د. محمد بن إبراهيم الملحم
عدنا والعود أحمد، وقلت قبل أكثر من خمسة أشهر يجب الاستعداد لهذا الموقف، فالتعليم عن بُعد ليس محطة عابرة، ولا ينبغي له أن يكون كذلك حتى لو لم يظهر مرض كوفيد وقائد طائرته كورونا المتحول، فالتعليم عن بُعد هو أفق جديد للتعليم، ليس لأنه يوفر بديلاً للتعليم التقليدي عند الظروف الصعبة، ولكن لأنه يحظى بفرص نوعية متميزة لا يوفرها التعليم التقليدي، وهو ليس خياراً استراتيجياً فقط كما عبّر عنه معالي وزير التعليم الحالي، ولكنه هو مستقبل التعليم شئنا أم أبينا، لأن المجتمعات عبر العالم تتحول للعالم الرقمي بشكل واضح لا يحتاج إلى مزيد تعبير، ولقد أشرت عبر 14 مقالاً سابقاً فيما بين رجب وذي القعدة من هذا العام، إلى أن وزارة التعليم مطالبة بالتحرك السريع في هذا المجال واقتناص فرصة الجائحة لحث الجهود نحو هذا التحول، تفكر قليلاً لو أن الوزارة قبل ظهور الجائحة وبينما نحن في حياتنا المعتادة، قررت أن تنشر التعليم عن بُعد عبر مدارسها كوسيلة للتدريس، وبدأت تطبيق «التجربة»، فكم نسبة تجاوب المعلمين والعاملين في التعليم وأولياء الأمور لهذا «التوجه»؟ أنا أعتقد أنه لن يتجاوز 10 إلى 20 في المائة من التجاوب والتعاون الذي نلمسه الآن، على الرغم من وجود نسبة من المتذمرين، ولكن أغلب القوم يتطلعون للتعليم عن بُعد منذ منتصف الفصل الدراسي الثاني العام الماضي وظلوا يتوقعونه طوال العطلة الصيفية، على الرغم من إعلان الوزارة أن المدارس ستفتح أبوابها حتى أبلغتهم في آخر لحظة بخيارها للتعليم عن بُعد!
هذه فرصة ذهبية بل ألماسية لإحداث التغيير المنشود، ومع أني استخدمت تعبير علم الإدارة النمطي «إحداث التغيير» bring about change لكن الواقع أنه أكثر من ذلك، فنحن أمام «تجاوب» مع تطلعات التغيير المتوقع ووضعه موضع «التنفيذ» implementation، ولكن مع الأسف فإن عدم تقدير هذه الفرصة غير المسبوقة، ضيّع أجمل ما فيها، وربما تضيع للأبد إذا استمر نزيف التأخر والبطء في الاستجابة والتوقف في مطبات تقنية وتدريبية مكشوفة أصبحت حديث الناس اليومي، إن جهود الزملاء في الوزارة محل تقدير ولكن ما أعتب عليهم عتباً، معي فيه كل الحق، حيث نشرت من قبل وتكلمت مبكراً عن أهمية هذا الاستعداد، (انظر مقالاتي شهر 3 عن التعلم عن بُعد، ثم بعدها شهري 6 و7 سلسلة المدرسة الكوفيدية)، والأمر قبل هذا وبعده لا يحتاج إلى توضيح فالصورة متوقعة جداً، والواقع أن ما يحدث اليوم هو غير المتوقع! ولست هنا أتحدث عن عطل المنصة أو تأخر الأداء التقني فحسب، فهذا يمكن أن يحل خلال أسبوع أو أسبوعين -بإذن الله- (وأرجو ذلك!) ولكني أشير إلى «التدريب»، تدريب المعلمين الذي حصل في اللحظات الأخيرة (في أسبوع العودة) وأجري عن بُعد ولمدة محدودة، سمعت أنها دورة يوم واحد لمدة ثلاث ساعات تقريباً! بينما المتوقع أن تكون هناك فرق تدريبية متمكنة في كل إدارة تعليم، ويتم تدريبها وتأهيلها مركزياً، ثم تنتشر في المنطقة عبر المدارس لتدرب المعلمين ولتقف مباشرة على نتائج عملية التدريب عن كثب، حيث يصاحب التدريب تمارين بأسلوب السيناريو يتعرف من خلاله المدربون على مدى إتقان المعلمين لاستخدام المنصة، ولا أتحدث عن تشغيل المنصة كموقع وبرنامج إدارة تعلم فقط، وإنما كيفية التفاعل الصفي والتدريس عن بُعد، فهذا مجال قائم لوحده، فتصميم الدروس مختلف، وتقديمها مختلف، وطرائق التقويم مختلفة، ومهارات التعامل مع الطلاب وتحفيزهم مختلفة. لك أن تتصور دورة تدريبية مدتها عشرة أيام، خمسة منها تدريب نظري وعملي على الجهاز، وخمسة منها تطبيقات بأسلوب السيناريو تكون ورش عمل يتناقش فيها المعلمون المتدربون حول تجربتهم في تطبيق التدريس عن بُعد ويتبادلون الخبرة والمعرفة، وكل هذا «كان يمكن» أن يطبق قبيل نهاية الفصل الدراسي الثاني عندما اتضحت معالم استمرارية أمد الجائحة أو على الأقل خلال العطلة الصيفية اختيارياً، بالإضافة إلى أسبوع العودة والأسبوع الذي يليه لضمان جودة استخدام المعلمين للمنة وتمكنهم من مهارات التدريس عن بُعد.
دعونا نتفاءل، وها أنا أدعو الوزارة ولم يمضِ بعد سوى أسبوعين، فلا بأس أن نخسر أسبوعين آخرين يطبق خلالهما هذا النوع من التدريب للتمكن، ولكن سنكسب في مقابله فصلين دراسيين كاملين (إلا شهر) وهذا أفضل من استمرار المعاناة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً