مها محمد الشريف
درسنا فرعًا من فروع علم النفس، وهو علم النفس السياسي الذي يهتم بدراسة المشكلات السياسية والقضايا المختلفة بين الدول للوصول إلى أفضل الحلول وأنجحها وأهمها؛ فهو يهتم بتحقيق السلام بين الأعداء، أو نشر السلام، ومقاومة الحروب، ومنع التورط فيها، وأيضًا سيكولوجية التفاوض، ووسائل كسب الرأي العام الداخلي والدولي بعدالة القضايا السياسية؛ وهو ما جعل المعرفة هنا أدق وأشمل وأكثر مصداقية عطفًا على المتغيرات والتفاعلات وعجز المعالجات. لنأخذ على سبيل المثال تركيا عندما منحت الجنسية لقيادات في حركة «حماس»، 12 ناشطًا حصلوا على الجنسية التركية، ورقم هوية مكون من 11 رقمًا؛ ما أثار مخاوف من أن تتمتع هذه المجموعة الفلسطينية بحرية أكبر في التخطيط لشن هجمات على مواطنين في جميع أنحاء العالم، بحسب صحيفة تليغراف البريطانية.
فهل يريد الرئيس التركي أردوغان تغيير اتجاهات الخصم من إسرائيل إلى دول أخرى؟ علمًا بأن هنية حاول في جولته إنقاذ ما تبقى من العلاقات مع الدول المؤيدة لنهج «حماس»، أو إقامة علاقات جديدة تمكّن الحركة من البقاء في الخارج، على الرغم من الضغوط الأمريكية الكبيرة؛ فاتخذت من تركيا وقطر مقار دائمة، لكنها تعمل من تركيا بشكل تنظيمي أكثر، بعدما قلصت حضورها العلني في قطر ولبنان بسبب طلبات من هذه الدول أو خشية الاستهداف، فهل هذا يمكننا من القول إن هناك دوافع مختلفة تكمن وراء الإقدام على الجريمة؟
وبهذا يكون مفهوم الدافع عند حماس دلالة على تنفيذ فقط أجندة تركيا وإيران، حتى أصبحت مطية لهما، وأقحمت نفسها بملفات خارجية، ونسيت قضيتها الأم، وباتت تتاجر بها، ودخلت معترك السياسة والانتخابات بالمجلس الفلسطيني من خلال اتفاقية «أوسلو»، يعني حسب اتفاقية السلطة مع إسرائيل.
وهكذا، فإن هذه هي أهم الأسباب التي دمرت القضية من بعض الفلسطينيين بأنهم صنعوا عداوات مع دول وشعوب قدمت لهم الدعم والمساعدة دائمًا، وكل ذلك لمصلحة الغير. كما أن هناك أصواتًا نشازًا لا قيمة لها، ولا تمثل رأي الأغلبية من الفلسطينيين، ولا تعد حكيمة، ولا تصب في مصلحتهم، على الرغم من أنهم بحاجة لكل دعم في وجه الاحتلال، ودول الخليج أكثر من قدم هذا الدعم.
كما طالب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف الحجرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالاعتذار لدول الخليج بعدما صدر من بعض المشاركين في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي عُقد يوم الخميس الماضي، من لغة التحريض والتهديد غير المسؤولة تجاه دول الخليج.
والتاريخ يشهد على ما قدمته المملكة العربية السعودية منذ عام 2000 إلى الآن بنحو سبعة مليارات دولار، أي بمعدل مليون دولار يوميًّا خلال عشرين سنة، إضافة إلى مليون فلسطيني في دول الخليج. وتنوعت المجالات الإغاثية والإنسانية التي أسهمت فيها المملكة لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين ما بين المساعدات التنموية التي بلغ مقدارها 4 مليارات دولار أمريكي، والمساعدات الإنسانية بما مقداره مليارَي دولار أمريكي. إضافة إلى مشاريع عدة، منها المشروع السكني في مدينة رفح (المرحلة الأولى)؛ إذ تم إنشاء مدينة سكنية متكاملة، تحتوي على 752 وحدة سكنية لإقامة 4.564 شخصًا، وتشييد 4 مدارس، ومركز صحي، ومركز ثقافي، ومجمع تجاري، ومسجد، وشق طرقات، وإنارة شوارع، ومرافق مياه بتكلفة تقدر بـ107 ملايين دولار أمريكي.
وهنا نتساءل عن الدافع للعداء ضد دول رفعت راية العون والمساعدة والدعم اللامحدود، وإلى عهد قريب خلال الأشهر الماضية في زمن جائحة كورونا؛ إذ تم تدشين مساعدات المملكة للشعب الفلسطيني لمواجهة كورونا المقبل في مقر السفارة السعودية بالأردن. وتبلغ قيمة هذه المساعدات أكثر من 10 ملايين ريال سعودي، تتضمن 12 بندًّا من الأجهزة والمستلزمات الطبية، تم التعاقد على توريدها من قِبل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من أوروبا والصين، والبعض الآخر من المملكة العربية السعودية. وتهدف المساعدات لتدعيم إمكانات وزارة الصحة الفلسطينية لحماية الشعب الفلسطيني الشقيق، والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19».
فالمواقف والأفعال شاهد على هذا الدعم الكبير، ولكن هناك أنماطًا سلوكية تجاوزت المسارات الصحيحة، فإذا كانت مقاييس الذكاء قد تدهورت عند حماس وبعض الفلسطينيين فالقدرة على السيطرة على زمام الأمور لن تكون ممكنة، وغير قادرة على مواجهة المزيد من العقبات في فترات زمنية متقاربة، فضلاً عن ضياع الكثير من الفرص عقودًا من الزمن بسبب الانقسامات والخلافات التي تغذيها تركيا وقطر، وتباركها إيران.