عبدالعزيز السماري
في حالة استثنائية عن الدول غير العربية المجاورة، مزقت الطائفية الدينية الجسد العربي إلى أشلاء، وتفرق الأخوة إلى أعداء، وتجتاح الكراهية الدينية بلاد العرب، تطحن شعوبها، وتخرب ثرواتها ووحدتها، فإيران وتركيا لا يوجد فيهما صراع طائفي، لكنهما يستغلان التمزق العربي الطائفي في التمدد إلى أعماقه، والسيطرة على أراضيه وشعوبه، وهو نتاج سياسات أدت إلى إضعاف البلاد العربية، وإشعال النار في عواصمها تحت بوقود الطائفية..
فقد تحول الفكر الديني المسيس بكل أطيافه إلى أداة لتفريق الشعوب العربية، ولست هنا أتحدث من منطق عروبي أو قومي، فالعربية حسب رأيي ثقافة وهوية مشتركة تشترك فيها كل الشعوب الناطقة بلغة الضاد، وإذا لم ندرك ذلك مبكراً، ستتآكل الأراضي العربية أمام المد الفارسي والتركي من جهة، وأطماع الدول الاستعمارية ممثلة في الدول الكبرى ودولة الاحتلال الصهيوني..
ذلك لم يأت بدون مقدمات، فوسائل الاتصال الاجتماعي زاخرة خلال هذا العصر بدعاوى متطرفين من السنة والشيعه للاقتتال وإلغاء الآخر، وقد وصل ذلك إلى تأسيس قنوات فضائية طائفية تدعو للفتنة الطائفية، ووصل الحال إلى أن ينساق بعض المعتدلين إلى المشاركة في المقصلة الطائفية، كذلك تشعر الأقليات بالخوف من طغيان الأكثرية، وإقصائهم..
في ظل ما يحدث من تفرقة طائفية بسبب سيادة العقل الطائفي، نسمع أحياناً العجب من بعض هؤلاء الدعاة في بعض برامجهم الوعظية، وذلك عندما يرددون أن الدين لا يجب أن ينفصل عن السياسة، وأن الإرث الفقهي الديني حافل بحقوق الإنسان والتعايش واحترام الآخر، وأن الحداثة ومصطلحاتها الحديثة أدوات غربية غير صالحة للتطبيق في عالم المسلمين، وأن العروبة دعوة جاهلية، وأن الوطنية وثنية وشرك بالله، بينما تقدم أطروحاتهم الأراضي العربية على طبق من نار إلى الغزاة من كل صوب..
نحن في أمس الحاجة لعودة النبرة العربية في الإعلام، وهو ما سيعيد العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى العمق العربي، بدلاً من أن تكون محطات لإطلاق الصواريخ على العواصم العربية..، علينا أن نتذكر بداية السبعينيات، التي كانت بالفعل المرحلة الذهبية للتضامن العربي، فقد توحدوا برغم من كل شيء، وكانوا سداً منيعاً ضد المحتلين..
ليتوقف الإعلام العربي عن الترويج للطائفية الدينية، وحان الوقت في أن ترتفع الرايات العربية فوق مختلف الولاءات الطائفية، وسيظل البعد الإسلامي الثقافي في إطاره العام حالة إيجابية، وبديل عن شرور الطائفية القاسية في هذا العصر، وعلينا أن نعي أن تاريخ الفتوحات في القرن الأول كانت لتحرير الأراضي العربية من الفرس والروم، ثم الفرنجة، ولم يستخدم العرب المسلمون آنذاك أديان الآخرين في معارك التحرير، فلم يقولوا النصاري أو اليهود، أو المجوس، لكن قالوا الفرس والروم والغزاة..، باختصار معركتنا الحقيقية هي مع الغزو الأجنببي إلى الأراضي العربية .. فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟