د. محمد عبدالله العوين
لم يكن غريبًا على قيادة هذه البلاد اهتمامها بما يعزز هويتها ويرسخ انتماءها ويحافظ على مكانة لغتها العربية في ظِلال مزاحمة مضنية من اللغات الأخرى؛ وبخاصة لغة الحضارة المعاصرة الإنجليزية.
وإن مما يحز في النفس ما نشاهده من هشاشة في مستوى كثيرين من أبناء هذا الجيل، فقد ظلمت اللغة العربية بتهميشها في كتيب صغير متواضع اسمه «لغتي» يمر مرورًا سريعًا في وريقات على قواعد اللغة العربية بكلمات موجزة ومثال، مع ضعف في التطبيق حينا وضعف في بعض المعلمين حينا آخر، وتساهل في منح الشهادات لطلاب كثير من المدارس التجارية الخاصة.
وقد يوكل أمر تدريس اللغة العربية في بعض المدارس التجارية إلى مدرس العلوم أو الرياضيات في حالة خلو وظيفة أستاذ اللغة العربية.
ومما يحز في النفس أيضا ضعف بعض أبنائنا المخجل حين يكتبون موضوعا إنشائيا أو يلقون خطابا، والحق أن ما يظهرون به من تميز أو ضعف يدل دلالة مؤكدة على مستوى تعليم اللغة العربية في مدارسنا.
ولذلك أحدث أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بإنشاء مجمع عالمي يحمل اسمه الكريم يخدم اللغة العربية صدى طيبا وثناء حسنا من المواطنين كافة؛ وبخاصة المعنيين بشؤون وقضايا اللغة العربية وما يتصل بها من بحوث ودراسات ونشر ومناهج وأنشطة مختلفة تدور في فلك اللغة، ووجد الأمر الكريم استقبالا حسنا من المشرفين على معاهد تعليم اللغة العربية في الداخل والخارج؛ باعتبار أن اللغة هي المفتاح الأول لمعرفة العرب والمسلمين؛ دينا وقيما وتاريخًا وإبداعًا أدبيًا.
وقد كان ثمة عتب قديم على تأخرنا في إنشاء مجمع لغوي على غرار المجامع اللغوية في القاهرة ودمشق وبغداد؛ وبخاصة أن بلادنا هي مهبط الإسلام ومخزن اللغة وموئل مبدعيها في كل العصور، وقد تعلم على شعرنا ونثرنا وفصاحتنا الآخرون، فنحن من علم الشرق والغرب كيف ينطقون لغة الضاد، وعلى يدي الموهوبين من أبناء الجزيرة العربية شعرا ونثرا تتلمذ ملايين ممن استظلوا بظل الحضارة العربية الإسلامية من الصين شرقا إلى جبال البرانس غربا.
مع أننا نحن لم نغب عن تلك المجامع اللغوية العربية؛ فقد مثلنا فيها أعلام نعتز بهم؛ كان حمد الجاسر وعبد الله بن خميس عضوين في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وقدما أجمل وأزهى صورة عن أصالة وعمق البحث اللغوي والتاريخي وشؤون وشجون اللغة العربية في بلادنا.
واليوم ونحن نبتهج بإنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يتطلع الحريصون على رفعة شأن لغتنا - كما يهدف المجمع - وإحلالها المكانة اللائقة التي تستحقها بين لغات العالم الحية، وإلى صياغة رؤية شاملة تمثل الغايات الرئيسة من إنشائه، ثم رسم خطة طريق لتحقيق تلك الغايات من خلال العمل على النهوض بمهمات كبيرة في الداخل والخارج تتصل بـ: المناهج التعليمية، ولغة الإعلام، وزارتا التعليم والثقافة بأنشطتهما المتعددة وبما يمكن عمله بأذرعهما البعيدة من خلال سفارات المملكة بمختلف الدول.
في الجزء الثاني من هذا المقال سأعرض أبرز ما أرى ضرورة عمله. يتبع
** **
moh.alowain@gmai.com