سمر المقرن
ضاعت لعبة طفل في البحر فكتب على رمال الشاطئ أن البحر سارق، وعلى مقربة منه أم ثكلى ابتلع البحر فلذة كبدها فكتبت أنه قاتل، وهناك صياد اصطاد كثيراً من السمك فأكد أن البحر كريم، بينما اصطاد آخر لؤلؤة فأكد أن البحر سخي، ثم جاء موج البحر نفسه فمسح كل ما كتب لتستمر الحياة.
قصة كتبها أسلافنا عن الكلمات وقد قرأتها بقلبي فأعجبتني، فالكلمة سلاح ذو حدين وبينما تباينت الكلمات المكتوبة عن البحر لتعكس ما يصل إلى ذهن كل شخص مختلفاً عن الآخر لتنبهنا إلى تجاهل كثير من كلمات الناس المحبطة، فكلام الناس يمكن أن يقدم أو يؤخر شريطة أن نأخذ منه وقوداً إيجابياً يدفعنا إلى الأمام ونتجاهل كلمات فيها سم قاتل قد ينهي حياتنا للأبد!
ويبقى أثر الكلمة في حياتنا (حياة أو موت) فإما أن تكون أصلها ثابت وفرعها في السماء وهذه كافية لتحويل دفة حياتنا لما فيه الخير كله، فقد تخلق من الجاهل عالما ومن الفاشل عبقريا شريطة أن يكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومهم أن نتكلم بما نحب أن نسمع ونقول للناس حسناً بداية من أسرتنا الصغيرة وحتى عالمنا الواسع في العمل ومختلف مجالات الحياة. ولنتخيل مجتمعا مليئا بكلمات إيجابية طيبة ويا لها من هدايا جميلة مثل: أنت مبهج، لو سمحت، من فضلك، الله يعزك، الله يسعدك، لن ننسى فضلك، شكراً لك، ما شاء الله.. وغيرها من رصيد الكلمات في بنوك الحياة والآخرة معا، وعلى النقيض من ذلك فهناك كلمة خبيثة قد تدمر حياة إنسان وكثيراً ما سمعنا عن أشخاص تعرضوا لرصاص كلمات خارقة حارقة فأصابتهم بأمراض عديدة أودت بحياتهم. ولقد قرأت للمؤلف الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد دانيال كانيمان، فقد ضرب لنا مثلا حيا عن أثر الكلمات بعد أن طلب من مجموعة من الطلبة لديه ترتيب كلمات سلبية مثل: عجوز، مسن، إحباط، يأس، مريض، مكتئب، ضياع. بينما طلب من مجموعة أخرى ترتيب كلمات إيجابية مثل: السعادة، الأمل التفاؤل، ثم طلب من أفراد المجموعتين بالانتقال إلى قاعة المحاضرات وكانت النتيجة مذهلة فأفراد المجموعة الأولى بدوا محبطين متباطئين في تحركاتهم، بينما تسارع أفراد المجموعة الثانية بكل همة ونشاط إلى قاعة المحاضرات.
ما هذا إلا مثال بسيط لندرك جيدا أهمية الكلمة التي هي أكثر خطرا من كل المخاطر فهي قد تدمر الروح والعقل والقلب، فكم من كلمة أزهقت أرواحا وكم من كلمة داوت جراح، وكم من كلمات بنت أوطاناً وكم من كلمات قوضتها.. حفظ الله الوطن وحفظ أرواحنا بالكلمة الطيبة.