علي الخزيم
الجن خلقٌ من مخلوقات الله، وهبها سبحانه العقل كالإنسان، وهي مثله مكلفة بعبادة الله وحده على شِرْعةٍ ومنهاج، وسبق خلقهم خلق الإنسان، كل هذا يثبته القرآن الكريم، فيُفهم من هذا أنهم غير مسلطين على الإنس، والرأي عند الفقهاء بمسألة خوف الإنسان من الجان تعود إلى أمور عدة، أهمها ضعف إيمان الإنسان الخائف، وخلو قلبه من ذكر الله بالأذكار الواردة؛ وما يستطيع الإنسان الإتيان به مما آتاه الله من علم وفقه بدينه، وهنا قالوا: إنه كلما ضعف الورع والتعلق بالله، كلما استطاعت شياطين الجن والمردة السيطرة على مشاعر الإنسان وإخافته وتشتيت عقله، ولا يستطيعون ذلك حينما يكون المرء قريباً من الله بالذكر والتسبيح وتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم.
ويبرز سؤال وجيه مختصره: لماذا يخاف بعض الناس من الجن وهم دوماً يعملون الصالحات؟! فقد يكون مرجع ذلكم إلى ما تتوارثه بعض المجتمعات من أساطير وقصص وهمية كانوا يروونها للصغار لإخافتهم من الذهاب لوحدهم خوفاً عليهم من اللصوص وقطاع الطرق؛ فجعلوا الجن الخفيين وسيلة لحثهم على عدم الابتعاد عن منازلهم ودورهم، وتتطور وتتشعب الحكايات التي ترويها الجدات ليلاً للصغار مثل أن الجن خطفوا البنت العروس وأهدوها إلى شيخهم، ونحو ذلك من القَصَص الليلي الذي يُحقن بعقول الصغار قبل النوم، فتكون ثماره قلوباً واجفة كل مساء واضطرابات عقلية ونفسية، وتصرفات طفولية غير متزنة، تبدأ عند الغروب حيث يلتصق الأطفال بأمهاتهم؛ وحين لا يدركن السبب الرئيس لخوفهم يلجأن إلى تأويلات أسوأ.
وأرى أنه يمكن تشبيه الحالة بمن يخاف من عدوى الأمراض والفيروسات ويأخذ احتياطاته المكثفة دون مبرر عقلاني يستند على برهان قاطع بأنه قد يتعرض للإصابة، فهو وإخوانه وذووه يأكلون من طعام واحد، ويسكنون منزلاً واحداً ومناعتهم متعادلة، فكيف تتسلط الفيروسات والعدوى عليه دون غيره، مع غياب أي مؤشرات لوجود أمراض وبائية؟ فيكون المرجع للأسباب هو تعرض هذا الموهوم لمواقف من المبالغة بالتحذيرات من الفيروسات والجراثيم ووجدت عنده قبولاً عميقاً أكثر من أقرانه، ومثله من يصاب بالخوف من ركوب الطائرة، والانهيار عند مشاهدة سفك دم الأضحية إلى غير ذلك من الحالات، فبينما هو يعاني يجد أن الآخرين لا يكترثون لكل هذه الأمور، وقس عليه من يخاف من الجان خوفاً وهمياً ذهانياً يقوده للهلوسة والاضطراب كلما انعزل بمفرده أو حل عليه الظلام ولو لبضع دقائق.
ويؤيد توارث الأسطورة ما يرويه ابن كثير أن العرب خلال حِقَب ما قبل الإسلام كانت إذا حلَّت بوادٍ تستعيذ بسيِّد ذاك الوادي من سفهائه، فإذا علم سفهاء الجن بخوفهم زادوهم رهقاً، وهذا يقود إلى سؤال جديد: لماذا تنتشر عندنا (تجارة الرقية المزيفة) دون غيرنا من الشعوب المتحضرة؛ ولا أقصد المجتمعات متدنية الوعي، فهذا مما يزيد أعداد المتوهمين تحت وطأة المُرجِفين، إذاً الجن خلقٌ لن يضرك صالحهم؛ ويحميك من شرارهم وشرار الإنس بعون الله الأذكار وتلاوة القرآن، بعيداً عن تجارة الوهم.
** **
@alialkhuzaim