محمد ناصر الأسمري
عبدالله عريف -رحمه الله- رجل فكر ورأي صادق وجريء، قاد في الخمسينيات والستينيات الهجرية حملة تنوير ونقد، في وقت كان الجهل وارف الظلال في أرجاء الوطن.
كان عريف ناقداً للأوضاع البلدية وخدماتها في العاصمة المقدسة مكة المكرمة، وكصاحب فكر ورأي -وجد الأمير فيصل (الملك) نائب الملك في الحجاز، نائب الملك عبدالعزيز رحمه الله- أن يضع الرجل الناقد الجريء في موقع المسئولية والقرار في أمانة العاصمة، ليكون العريف أمام تحدٍّ كبير ومخاطرة أكبر بين الفشل والنجاح، عيّن العريف وأجيب طلبه وأعطي صلاحيات، ورغم قلة الموارد والإمكانات إلا أنه استطاع أن يكون أميناً ناجحاً بكل ما تعنيه الكلمة. كان جوالاً على المواقع والأحياء أكثر من تواجده بمكتبه.
تغير وجه مكة من الاختناقات إلى الساحات والشوارع الفسيحة، وبالذات ما كان مؤدياً للحرم. أذكر وأنا صغير برفقة والدي -رحمه الله- في أوائل الثمانينيات الهجرية، أن قدمنا مكة للعمرة، وكان طريق المعابدة للتو قد فتح حتى اتصل بالحرم من جوار سوق المحمدية وريع الحجون الذي كان عقبة كأداء، وكنت أتعجب من كثرة العمال قبل المغرب وهم يحملون الأتاريك لتعليقها بأعمدة الإنارة في شوارع في الجبال في الجميزة، جبل هندي، وغيرها.
أصبحت مكة تلك الأيام سمة للنظافة، مكة الآن تطورت تطوراً كبيراً سعة ومساحة ورقي خدمات عصرية بما لاق بها قبلة، الأسبوع الماضي كتب الزميل زياد الدريس مقالاً في مجلة اليمامة تحت عنوان (توبة إن تقاعدت ثاني مرة)، وسرد بأسلوب ساخر لاذع ما تعرض له من بيروقراطية في دوائر لها علاقة بالأحوال والنظام والتحول الرقمي، حين تاه في مسارات لإثبات أنه متقاعد من عقد من الزمان، ولكن الأحوال بقيت متلازمة لها للبقاء موظفاً، رغم أن معاشه التقاعدي يودع في حسابه، وهذا يقودني إلى الشيخ عبدالله عريف -رحمه الله- فقد سمعت قصة طريفة -أسردها هنا- ولست الراوي، في هذه الطرفة نظرية في الإدارة لكسر جمود النظام القصة قالت أو تقول: إن حماراً من آليات النقل المستخدمة تلك الأيام لجمع القمامة -مات-، والحمار بموجب نظام العهد والمستودعات، مصروف عهدة على عامل النظافة، واحتارت الأمانة في كيفية نظامية إسقاط العهدة، ويبدو أن رئاسة العامل لم تكتب محضر إتلاف ما دام الموت هو الذي قضى على الحمار، ولم تجد مخرجاً قانونياً كيف تلف الحمار؟ أليس الإنسان العامل هو المسئول. أخذت المعاملة في الأخذ والرد بين قسم النظافة والشئون الإدارية، وترتب على ذلك وقف راتب العامل 60 ريالاً لمدة ثلاثة أشهر، وضاقت سبل العيش الكريم على الرجل، ولم يجد بدًّا من اللجوء إلى أمين العاصمة العريف.
فعاد الأمين يسأله عن حاله وحين علم الحالة وقيل له إن المعاملة متوقفة عند الشئون المالية بسبب موت الحمار وحيوية النظام، وطلب المعاملة التي أصبحت بها مرفقات متداولة، وعندما انتهى منها كتب عليها: رحم الله الحمار وأبقى لنا العامل، تصرف رواتب العامل وتحفظ الأوراق حسب النظام. وإلى أخي زياد الدريس توبتك مقبولة -إن شاء الله- وتحفظ القضية وربما أن كثرة المتطفلين بالسؤال عنك وأحوالك هي نتاج ما كتبته في كتابك المحيط العطلنطي!
** **
yosr46@hotmail.com