د. خيرية السقاف
«في 1918 تفشى وباء «الإنفلونزا الأسبانية» وأصاب نحو ثلث سكان الأرض، وقيل إنه بلغ عدد الوفيات عالمياً بين 20.50،100 مليون وفاة» ياسين أحمد/ عكاظ 7-9-2020
الراهن شبيه..
«كوفيد-19» يعيد المشهد في الحضور..
شتان ما بين مئة عام مضت، و2020 القائمة
تطور البحث العلمي، والتجربة المخبرية، وإمكانات التصدي، وأساليب الاحتراز، وطواقم الطب، والتمريض، وأدوات المعالجة، والعلاج..
ومع ذلك فإن أسباب الجائحات في كل زمن ومكان مهما اختلفت، وتنوَّعت، بل أيضاً عندما تتشابه، وحين يُقضى على حياة تدب في عروق، أو يعجز عضو في جسد فإن سيرورة الكون تمضي غير عابئة بأي أمر ولا بشر، ولا سعي، ولا حصانة، حيث تتجه قواربها، وتحط مركباتها..
الأوبئة التي تصيب الأجساد، وتفرغها من الأرواح وحدها تبعث صراع الإنسان معها ليقف به عند كثير من عقد دواماتها، ومآزق انفلاتها، وحَرج أعناق زجاجاتها..
لا يأس مع الجهد...!..
* * *
تلك حدود ودوائر أمراض الأجساد مع الإنسان، صراع واجتهاد، ضعف واستسلام!..
بينما عليه في جوانب أخرى وبائية فيمن حوله أن يتلفت إليها، ويصيخ سمعه لأصواتها النشاز حين تقلق نومه، أو تخدش صمته، أو تجرح أمنه وهي تنبعث عن أمراضها الذاتية الخفية..
إنه يفعل فيذهب للتأويل،
محكاته تبني له قصوراً من رمل، أو من زجاج، أو من فولاذ..
مع «كوفيد-19» المتفشي عالمياً تتفشى أوبئة كثيرة أخرى..
عنها، وبينها تنبت له مواقف:
الإنسان بين صحة سلامه الجسدي، وصحة سلامه الفكري، وصحة سلامه القيّمي، وصحة سلامه العلائقي، وشراكاته الدنيوية، وبين أمراض هذه الصحة ينسج ذاته:
ومع أن الخفي من بذورها، والظاهر من غصونها شيء منه مزهر في تربة، وشيء موات في أخرى، فإن هناك ما تمدُّ بظلالها لتتسع فتظلل، وتشيع ثمارها لتُستَطعم بلا حدود..
لكن الأوبئة نوعان: أمراض الأجساد بين إرادة بشر يجتهدون للتشافي، ومشيئة رب بيده الآجال..
وأوبئة نفوس، وأخلاق، وأفكار، وفيَم بشر يتصارعون على هشيم..
والناس بين صحيح وعليل، شعار الطيبين المعافين فيهم: أن يتجاهلوا مرضى الباطن، فلا يسمعونهم، إذ أول وسائلهم «الصوت»، فهم وحدهم من تعود إليهم أصداء أصواتهم..
وهم وحدهم من سيشيعون جثث موتاهم إلى مقابر التاريخ..
كم هم؟!...
ربما كأعداد صرعى «الإنفلونزا الأسبانية» قبل مئة عام،
هؤلاء سيأتي قرن آخر ويُذكرون فيه بجائحة نفوسهم التي أماتتهم وهم أحياء يدبون على الأرض..
أما المنبتون بذورهم، المنيفون غصونهم، الممدون ظلالهم، المشيعون عبق أزهارهم فهم الباقون في الحياة بكل معانيها، ومخازنها..