د. محمد بن عبدالله آل عمرو
شدني تصريح سمو أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز الذي تجاوز اهتمامه وعمله اليومي الاطلاع على المعاملات المعتادة والتوجيه عليها إلى الاهتمام بتقوية اللحمة الوطنية وتمتين وتوثيق الأمن والسلم المجتمعي في المنطقة، حيث قال في تصريح له حول مفهوم الولاء والانتماء الوطني: (حنا عدة قبائل.. صحيح، لكن عند مصلحة البلد حنا قبيلة واحدة اسمها «المملكة العربية السعودية»، وبيرقنا هو بيرق واحد اسمه «لا إله إلا الله»، تحت بيرق سلمان بن عبدالعزيز، هذا في وقت الرخاء فما بالك في وقت الشدة) أقول شدني هذا التصريح المسؤول الواضح الذي أوجز مفهوم المواطنة والولاء والانتماء الوطني في بضع كلمات بليغات تكتب بماء الذهب، وكنت قد كتبت شيئا حول مفهوم «الولاء والانتماء في المملكة العربية السعودية» في نحو (17) صفحة، وأحسب أنني لم أوف الموضوع حقه، وأستميح سموه والقراء الكرام في تلخيص ما كتبت في حدود مساحة المقال لبيان بعض ما عناه تصريح سموه، ليس استدراكا عليه حاشا لله، ولكن لبيان بلاغة سموه حينما أوجز مفهوم المواطنة والولاء والانتماء الوطني الواسع في مصطلح لا أعلم أن أحدا سبقه إليه هو «قبيلة المملكة العربية السعودية».
فالأسرة كما يعلم الجميع تعد النواة الأصغر المكونة للمجتمع السعودي، ومن خلالها يتشرب الأطفال المبادئ الأولى في الولاء والانتماء حيث يكون الانتماء للأسرة صادقاً ومؤثراً في سلوك أفراد الأسرة، ثم تتكون العشيرة من مجموعة من الأسر، ثم تتكون القبيلة من مجموعة من العشائر تقل أو تكثر بحسب مجموعة من الظروف السياسية والاقتصادية والبيئية التي تعرضت لها القبيلة في تاريخها خلال فترة طويلة من الزمن.
ويعد الولاء والانتماء للقبيلة من القيم التي يحرص عليها أفراد الأسر والعشائر، وتعد هذه القيمة مصدر فخر واعتزاز غير متناه لكل فرد من أفراد القبيلة، ويشبع كل فرد حاجته من التقدير الذاتي والاجتماعي بقدر ما يكون مخلصاً في ولائه لقبيلته.
وتعد القبيلة المكون الرئيسي للمجتمع السعودي، كما تعد مصدرا مهما للقيم التي تضبط سلوك أفرادها في مختلف جوانب حياتهم ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وغير ذلك، وقد استطاع الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -يرحمه الله- أن يوحد شتات قبائل المملكة وأن ينقلها بفضل الله تعالى من حالة الخوف إلى حالة الأمن، ومن حالة الصراع والاحتراب إلى حالة السلم والأمان، ومن حالة الجهل والتخلف إلى نور العلم والهدى، ومن حالة الفقر والمرض إلى حالة معيشية عالية المستوى، وقبل ذلك كله من حالة تشتت الولاءات إلى وحدة الكلمة الوطنية تحت راية التوحيد، غايتها غرس العقيدة الإسلامية ونشر الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في أقدم وأقوى وحدة عربية في التاريخ الحديث، حيث تنتظم علاقة الولاء والانتماء في المملكة العربية السعودية وتتفاعل من خلال عدد من الدوائر المجتمعية المتداخلة من الأصغر إلى الأكبر على النحو التالي:
* دائرة الفرد نفسه: وتظهر هذه العلاقة حينما يهتم الفرد بإشباع حاجاته المختلفة، ليحقق لنفسه قدراً من الشعور بتقدير الذات الذي يدفعه للتفاعل مع الدائرة التالية.
* دائرة الأسرة: وهي أول مجتمع يتفاعل معه الفرد صغيراً، ويتربى فيها على المبادئ والقيم والمثل والعادات والتقاليد التي يؤمن بها المجتمع الأكبر خارج دائرة الأسرة، حتى يتمكن الناشئ مستقبلا من التوافق مع المجتمع خارج الأسرة بيسر وسهولة.
وقد نص النظام الأساسي للحكم في مادته التاسعة على أن «الأسرة هي نواة المجتمع السعودي ويربي أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن، والاعتزاز به وبتاريخه المجيد».
كما نصت المادة العاشرة على أن «تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم».
وهذه المادة تجسير للعلاقة بين الأسرة والدولة؛ لأنه لم يعد بإمكان القبيلة أن تلبي احتياجات الأفراد والأسر المنتمين لها لقصور إمكاناتها عن تحقيق الحاجات المتقدمة للإنسان المعاصر، وقصور خبراتها عن تطوير قدرات أفرادها إلى الدرجة التي تمكنهم من بلوغ مستوى المواطنة الفاعلة.
* دائرة القبيلة: تعد القبيلة مكوناً رئيسا للمجتمع السعودي ولازالت علاقة الولاء والانتماء من الأفراد والأسر إلى القبائل التي ينتمون إليها مصدراً من مصادر إشباع الحاجة إلى تقدير الذات، والشعور بالفخر والاعتزاز، وبالعراقة والأصالة، ولازال الانتماء إلى القبيلة يؤثر في طبيعة سلوك الأفراد وأدائهم على المستويين الفردي والجماعي، وكلما زاد نشاط الأفراد داخل القبيلة ازدادت القبيلة تماسكاً وتأثيراً على عموم أفرادها.
* دائرة جماعات العمل في القطاعات الحكومية والمدنية والخاصة:
حيث يشكل أعضاء كل فريق عمل يمارس عمله في موقع واحد لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف محددة جماعة أولية في الجهاز الذي ينتمون إليه وتنشأ بين أعضاء فريق العمل وبين جهازهم الصغير علاقة ولاء وانتماء بقدر إيمانهم بأهدافه ومدى تحقيقها لتطلعاتهم، ثم تمتد هذه العلاقة لتشمل الولاء والانتماء للجهاز الأم كلما اتحدت أهداف الجماعة الأولية مع أهداف وغايات الجهاز الأم.
* دائرة المجتمع الوطني «قبيلة المملكة العربية السعودية»: وتتكون هذه الدائرة من جميع حاملي الهوية السعودية على اختلاف انتماءاتهم في الدوائر الأصغر، وتقوم هذه الدائرة على ثلاث ركائز لا يمكن أن تستقر وحدة المجتمع السعودي بدون واحدة منها وهي:
* الرسالة: وقد تحددت رسالة كيان الدولة السعودية في توحيد الله عز وجل والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وإقامة شريعته، وقد نصت على ذلك المادة (الثالثة والعشرون) من النظام الأساسي للحكم.
* الأرض: وهي جميع ما يحتوي عليه الموقع الجغرافي للملكة العربية السعودية بحدودها الدولية.
* الملك: وهو رأس الدولة وقائدها، وقد حددت المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم شخصه وكيفية اختياره.
وستكون «قبيلة المملكة العربية السعودية» التي أكد وجودها سمو الأمير تركي بن طلال صمام الأمان لعدم المساس بهذه الركائز الثلاث حتى لا تتعرض وحدة المجتمع السعودي، وأمنه، وقوته، واستقراره، للتفكك والانهيار.