د.شريف بن محمد الأتربي
أقمت بالرياض منذ عام 1992م؛ إذ عُينت مدرسًا لمادة المكتبة والبحث في مدارس الرياض للبنين والبنات بحي النموذجية. ومنذ ذلك التاريخ لم أفارقها إلى أي مكان آخر. وفي مدارس الرياض عشت أجمل أيام عمري، وربطت بيني وبين جميع طلاب وأعضاء هيئة التدريس علاقة صداقة وأخوة قوية، امتدت حتى بعد مغادرتهم ومغادرتي المدارس.
لقد كانت بيئة العمل في مدارس الرياض ممتعة وثرية، خاصة في جانب الإحساس بالأمان، وعدم الخوف من أي موقف يتعرض له المعلم ما دام في إطار عمله، وضمن اللوائح المنظمة له. وكان أحد أهم أسباب هذا الإحساس هو الرئاسة الشرفية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- (أمير منطقة الرياض آنذاك) للمدارس. فقد كنا نقوم بعملنا، ونقدم أفضل ما عندنا ونحن على يقين تام بأننا لن نظلم أبدًا؛ فكم من المواقف والمشكلات التي رفعت لمقامه الكريم، وأنصف الطرف الضعيف مهما كان من هو الطرف الثاني، بل إننا كنا في كثير من الأحيان -بل في أغلبها- نضرب بسيف سلمان في وجه أي محاولة للخروج على النظام؛ فخاتم سلمان هو مصير أي خروج على النظام.
وفي جلستنا الخاصة كنا نسمع كثيرًا من القصص التي تدور حول هذا الموضوع، ولكن بشكل أوسع، وكيف كان أصحاب الحقوق يلجؤون إلى سلمان بن عبد العزيز لرد حقوقهم؛ فكلمة: «والله ما يردني إلا سلمان» كانت كافية لإيقاع الرعب في نفس كل ظالم أو معتدٍ على حق غيره بسلطة فُوضت له، أو بقوة يتباهى بها.
وتولى سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة، وتعالت الهمسات وصارت صيحات بأن الفاسدين قد تجبروا، وأنهم استغلوا كل الثغرات التي ظهرت لهم للظفر بمقدرات الدولة والاستيلاء عليها ظانين أنهم سينجون من العقاب بذريعة طمس التاريخ للحقائق، وسرعة النسيان، لكن أنى لهم هذا وسلمان وعضيده وولي عهده ابن سلمان كشفا الغطاء عن كل فاسد، وشنَّا حربًا لا هوادة فيها لاجتثاث الفساد بكل أشكاله وأنواعه من ديارنا.
والفساد (Corruption) ضد الصلاح، فإذا كان المعنى اللغوي للفساد أنه ضد الصلاح فإن صلاح المال -مثلاً- كما يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هو: «وإني لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق، ويعطى في الحق، ويمنع من الباطل».
وقد عرَّفته «منظمة الشفافية العالمية» التي تأسست سنة 1993 بأنه: «سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة». أما «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد» لسنة 2003 فإنها لم تتطرق لتعريف الفساد، لكنها جرّمت حالات الفساد، منها: رشوة الموظفين العموميين، واختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من طرف موظف عمومي، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف.. وغيرها من مظاهر الفساد الظاهر والخفي.
ويمثل الفساد بكل أنواعه معولاً للهدم قويًّا جدًّا ضد عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولهذا فقد عملت حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد منذ البداية على فتح ملف الفساد، ووضع خطة مُحكمة للتخلص منه، ومحاسبة كل القائمين عليه ومَن عاونهم وساعدهم على تحقيق أهدافهم الخبيثة.
ومنذ عام 2017م والمملكة العربية السعودية تشن حربًا لا هوادة فيها على الفساد والفاسدين. بدأت الحملة بقرار من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد لمكافحة الفساد، على أن تضم في عضويتها كلاً من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة. وكان من أولى نتائجها استعادة 100 مليار دولار أمريكي من خلال إجراءات تسوية مع 87 شخصًا بعد إقرارهم بما نُسب إليهم، وقبولهم التسوية. وتمثل ذلك في أصول عدة من عقارات وشركات وأوراق مالية.
وكان للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الدور الأكبر في متابعة هذه القضايا. وحرصًا من القيادة الرشيدة على توحيد الجهود فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا ملكيًّا بضم «هيئة الرقابة والتحقيق» و»المباحث الإدارية» إلى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، وتعديل اسمها ليكون «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد».
وخلال الأيام الماضية طالعتنا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بأحدث قضايا الفساد التي طالت كثيرًا من الأشخاص؛ إذ صدر أمر ملكي بإنهاء خدمة مجموعة من كبار الموظفين العموميين، وإحالتهم للتقاعد، والتحقيق معهم فيما نُسب لهم بشأن التعديات غير النظامية على أراضي مشروع البحر الأحمر التي تجاوزت (5000) تعدٍّ، وتجاوزت العشرات في محافظة العلا، فضلاً عن التجاوزات في العشوائيات والمخيمات غير المرخصة من قِبل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، أو شركة البحر الأحمر، أو شركة تطوير السودة.
إننا جميعًا نقول لكم أيها الفاسدون: ارجعوا؛ لا مُقام لكم بدار سلمان؛ فمصيركم معروف، وأجل فسادكم محتوم. ونحن بعون الله، ثم سلمان وابن سلمان، من شركم آمنون.
المصادر: https://www.alukah.net/