«الجزيرة» - سلطان الحارثي:
لم يكن ابن الرومان السيد رازفان لوشيسكو المولود في في مدينة بوخارست سنة 1969 يتوقّع يوماً بأنه سيحفر اسمه بمداد من ذهب، ويحفظ التاريخ الرياضي اسمه كمدرب حقق مع فريق الهلال أكبر البطولات الآسيوية «دوري أبطال آسيا»، وجمع معه «أقوى دوري عربي» دوري كأس الأمير محمد بن سلمان للمحترفين، وهذا نجاح يُحسب للروماني الكبير، وسابقة على مستوى الكرة السعودية، فالجمع بين أكبر بطولة آسيوية، وأقوى دوري عربي لا يمكن تحقيقه إلا بفريق قوي، بل وقوي جداً، وتحت إدارة فنية لا تعترف بالمستحيل، وهذا ما حصل مع الهلال بقيادة مدربه رازفان، تحت إشراف ومتابعة إدارة فهد بن نافل رئيس نادي الهلال.
لقد حقق السيد رازفان بطولتين كبيرتين جعلت اسمه يتردد في جميع أنحاء العالم، وهو يستحق بلا شك، فمدرب عاد بفريقه لتحقيق اللقب الآسيوي بعد 20 سنة يستحق الاحتفاء به، فكيف وقد جمع مع آسيا الدوري المحلي الأقوى قبل نهايته بجولتين..!
رازفان الذي قاد الهلال في هذا الموسم بكل نجاح، هو ابن المدرب الروماني المعروف »مرتشيا لوشيسكو» وكان حارس مرمى مغموراً لم يحقق في مسيرته كلاعب سوى بطولتين، ولم يلعب لأي فريق شهير، ولكنه كتب النجاح كمدرب، إذ حقق قبل مجيئه للهلال 8 بطولات، ومع الهلال حقق بطولتين حتى الآن.
رازفان الذي يعيش مع الهلال فترة ذهبية، سجل أرقاماً قياسية في البطولتين اللتين حققهما، إذ إنه حقق لقب دوري أبطال آسيا بدون أي ركلة جزاء، وحقق مهاجمه الفذ قوميز لقب الهداف وأفضل لاعب في دوري أبطال آسيا، كما حقق إدواردو ثالث أفضل لاعب في بطولة كأس العالم للأندية، كما أنه في الأدوار المتقدِّمة من هذه البطولة أخرج أبطالاً لهم ثقلهم الفني، ففي المجموعات هزم فريق العين بطل آسيا الأسبق، وفي دور الـ16 خرج على يده فريق الاتحاد بطل آسيا ثلاث مرات، وفي دور الـ8 هزم فريق الأهلي الطامح لتحقيق اللقب، وفي دور الـ4 استطاع الانتصار على فريق السد أحد أبطال هذه البطولة، وفي النهائي انتصر على فريق أوراوا بطل آسيا في نسخة 2017 والتي حققها من أمام فريق الهلال، وهذه المسيرة تكفي لإنصاف المدرب الذي قاد الهلال بكل اقتدار لتحقيق لقب كبير غاب عن خزائن الكرة السعودية منذ عام 2003 .
وفي الدوري المحلي، استطاع رازفان أن يقود فريقه للانتصارات بعد عودته من كأس العالم للأندية، وهذه مهمة ليست بالساهل ولكنها تحسب أيضاً للمدرب، فاللاعبون جاؤوا متشبعين بعد تحقيق اللقب الآسيوي واللعب في كأس العالم للأندية، ولكن رازفان استطاع أن يعيدهم للدوري المحلي الذي انتزعه بكل جدارة، ويكفي أن نقول بأن فريقه في الدوري الأقوى يعتبر الأكثر انتصاراً بـ21 مباراة (بقي مباراة الشباب)، والأقل خسارة، إذ لم يخسر إلا مباراتين، وهجومه يعتبر الأقوى بـ 72 هدفاً، كما أن فريقه يعتبر الأكثر استحواذ في المباريات بـ 63.7 %، والأكثر تمريرات بـ 15567 .
في أحد لقاءات رازفان الإعلامية وبعد تحقيق لقب الدوري «الاستثنائي»، قال:»كنت متأكداً من تحقيق لقب الدوري ووضعنا إستراتيجية منذ بداية الموسم تهدف إلى تحقيق كأس دوري أبطال آسيا والدوري السعودي»، مثل هذا المدرب يفرض عليك احترامه، فرسم الإستراتيجيات في كرة القدم السعودية وتحقيقها صعب جداً، وذلك في ظل تهور بعض الجماهير وإطلاق الأحكام العامة، وعدم معرفة تلك الإستراتيجيات.
كما رد رازفان في تلك المقابلة على من ينتقده بسبب التدوير، وشرح وجهة نظره التي تحترم، وقال: «لا بد أن يشارك جميع اللاعبين في مباريات الفريق، وأيضاً إذا أردت فريقاً جيداً لا بد أن تركّز على 22 لاعباً حتى يكون الجميع على جاهزية عالية، وفلسفتي ترتكز على احترام جميع اللاعبين سواء أساسيين أو بدلاء ، ولا بد أن يشاركوا مع الفريق في مبارياته، فإذا اعتمدت على مجموعة محددة من اللاعبين هذا يسبب في التأثير السلبي عليهم مع مرور الوقت لذلك استخدمت إستراتيجية تدوير اللاعبين».. هذا الفكر يجب أن يُحترم صاحبه، فهو يقدم لك وجهة نظر فنية متى استوعبتها ستكون في ذات الطريق الذي يسير عليه رازفان.
في الختام، رازفان حفر اسمه في ذاكرة الوسط الرياضي السعودي، وسجل اسمه في تاريخ الزعيم العالمي، وسيتذكره التاريخ بعد مرور السنوات، وهذا الأمر هو ما يتمناه أي مدرب في العالم، وقد حققه رازفان في أول مواسمه مع الهلال، فماذا بقي لدى رازفان في المواسم القادمة...؟! هنا يأتي دور الطموح، وعدم الاكتفاء بالنجاحات السابقة، وهذا ما تراهن عليه إدارة فهد بن نافل، وفق معرفة مسبقة بعقلية المدرب الفذ.