عمر إبراهيم الرشيد
هناك قصة حقيقية حدثت لإحدى سفن الشحن حيث توقف محركها الكبير عن العمل، فكان أن أحضر أصحاب السفينة عدداً من التقنيين المختصين لإصلاح عطل المحرك ولكن دون جدوى، فلم يستطع أحد منهم معرفة الخلل ومن ثم إصلاح السفينة. ثم اهتدى مالكو السفينة إلى رجل كبير في السن يملك خبرة في إصلاح السفن، فباشر فحص السفينة من قمتها إلى قاعها، ثم اتجه إلى صندوق أدواته وأخرج مطرقة فعمد إلى جزء من المحرك وطرقه بالمطرقة فاشتغل المحرك وعاد إلى العمل كما كان. قام هذا الشيخ الكبير بإرسال فاتورة الحساب إلى مالكي السفينة وإذا بالمبلغ يصل إلى عشرة آلاف دولار. اندهش الملاك من ذلك المبلغ مقارنة بما عمله هذا الخبير، فهو لم يزد على أن طرق جزءاً من المحرك بمطرقته فقط، فطلبوا منه فاتورة مفصلة، فرد عليهم بالتالي (قيمة المطرقة: 1 دولار واحد، ومعرفة أين تطرق بـ999 دولاراً!). فانظر خبرة هذا الرجل وهدوء الحكمة في تصرفه، وانظر إلى قيمة الخبرة وأنها تعد ثروة إذا أحسن استغلالها وإثراؤها بمزيد من المهارات والمعارف، فالانسان يظل يتعلم حتى آخر يوم في حياته. وكل هذه تشبه المعدن النفيس يزيده الصقل قوة ولمعاناً وقيمة. ومعلوم لدى جنابكم ما قامت به شركات التقنية والبرمجيات الأمريكية العملاقة مؤخراً من تفضيل الخبرة على الشهادات في التوظيف، بل إن الرئيس ترمب عزز هذا التوجه بإصداره أمراً تنفيذياً للإدارات الفيدرالية في حكومته بالتركيز على الخبرة بدل الشهادة. وهنا لا يخفى عليكم التأثير المتوقع لهذا التوجه الأمريكي على العالم تباعاً، وسوف نرى تتابع حكومات وشركات وكيانات اقتصادية دولية لتقليد هذا التوجه. ولو نظر المرء إلى قدميه لوجد الحل كما يقول التعبير الشائع، وليست المسألة بحاجة إلى أمريكا كي يقلدها العالم، لكن وللانصاف والموضوعية وبعيداً عن الشعارات، من الذي بادر واتخذ القرار بكل جرأة وثقة؟ أليس الأمريكان؟، وهنا مربط الفرس، فالمعروف عن المدرسة الإدارية الأمريكية المرونة ومحاربة البيرقراطية أو بطء وتعقيد الإجراءات، والتشجيع على الابتكار في كل مجال. وهنا استشهد باجراء تتخذه شركة جنرال موتورز لمديري الأقسام وكبار المصممين والمهندسين في خطوط الإنتاج، وهي تخصيص قاعة لهم للجلوس معاً وتبادل الأفكار أيا كانت غرابتها أو استحالة تحقيقها، وهو ما يعرف بعملية العصف الذهني كما يقول علماء النفس، فتتلاقح الأفكار وتتكامل ولو في فترات لاحقة،هذه هي الإدارة الفعالة التي تستخرج كوامن الطاقات البشرية، بدل التدقيق على الحضور والانصراف وشكليات الدوام دون الانتاج الفعلي وابتكار الحلول! إلى اللقاء والله يرعاكم.